للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: تعامل الصحابة مع ما عرف من قبور الأنبياء]

أولاً: تعاملهم مع قبر النبي صلى الله عليه وسلم: لقد صرحت عائشة رضي الله عنها بأن الصحابة لم يبرزوا قبر النبي صلى الله عليه وسلم خوفاً من أن يتخذ مسجداً لما تقرر عندهم أن ذلك منهي عنه، مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، موافق لسنة اليهود والنصارى، ففي البخاري ومسلم من حديثهما رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) قالت: فلولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً " (١) وقال النووي في شرح هذا الحديث: " قال العلماء إنما نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً، خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به، فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية، ولما احتاجت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون، وامتدت الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن أدخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر فيصلي إليه العوام، ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر، ولهذا قال في الحديث: " ولولا ذلك لأبرز قبره "، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً، والله أعلم بالصواب ". (٢)

قلت: هذا الكلام من الإمام النووي رحمه الله، فيه رد على الذين يحتجون بكون قبر النبي في مسجده. وقد أورد السمهودي في (وفاء الوفاء) معارضة عروة بن الزبير وإنكاره لذلك فذكر عن عروة أنه قال: " نازلت عمر بن عبد العزيز في قبر النبي صلى الله عليه وسلم ألا يجعل في المسجد أشد المنازلة فأبى، وقال: كتاب أمير المؤمنين لا بد من إنفاذه، قال قلت: فإن كان ولا بد فاجعلوا له حوجواً – قال السمهودي: أي وهو الموضع المزور خلف الحجرة ". (٣) وقال في نفس الصفحة: " ثم بنى عمر بن عبد العزيز على ذلك البيت هذا البناء الظاهر، وعمر بن عبد العزيز زواه لئلا يتخذه الناس قبلة تخص فيه الصلاة من بين مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) (٤)، وقال: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)) (٥) الحديث، قالوا والبناء الذي حول البيت، بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين البناء الظاهر اليوم مما يلي المشرق ذراعان، ومما يلي المغرب ذراع، ومما يلي القبلة شبر، ومما يلي فضاء الشام فضاء كله، وفي الفضاء الذي يلي الشام مركن مكسور ومكيل خشب، قال عبد العزيز بن محمد يقال أن البنائين نسوه. (٦)


(١) رواه البخاري (١٣٩٠) ومسلم (٥٢٩)
(٢) (٥/ ١٣ - ٢٤)
(٣) (٣/ ٥٤٨)
(٤) رواه البخاري (٤٣٧) ومسلم (٥٣٠)
(٥) رواه أحمد في "مسنده" (٢|٢٤٦) (٧٣٥٢) دون قوله (يعبد) وروى الشطر الأول منه أيضا مالك في "موطئه" (١/ ١٧٢) والحديث صححه الألباني في ((أحكام الجنائز))
(٦) (ص٥٤٨ – ٥٤٩)، وقال ابن كثير (٩/ ٧٥): ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجداً والله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>