للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: النهي عن التشبه باليهود والنصارى]

إذا ثبت عندنا أن البناء على القبور واتخاذها مساجد أنه من هدي اليهود والنصارى، فاعلم أننا منهيون عن مشابهتهم نهياً مؤكداً يلحق المتشبه بهم بأولئك الكافرين الملعونين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [البقرة: ١٢٠]، وقد دلت السنة كذلك على تحريم التشبه باليهود والنصارى. ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم)) (١) وفي سنن أبي داوود والحاكم من حديث شداد ابن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خالفوا اليهود والنصارى فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم)). (٢) ولكن برغم هذا التحذير من مشابهة أهل الكتاب إلا أن السنة الكونية قاضية بوقوع ذلك من هذه الأمة كما يتبين من هذا الحديث الذي أخرجه الترمذي رحمه الله وأحمد من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الله أكبر! إنها السنن! قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف:١٣٨] لتركبن سنن من كان قبلكم)). (٣) وهذا هو الذي حصل ولا حول ولا قوة إلا بالله، تشبه القوم باليهود والنصارى وتركوا سنة نبيهم، ثم ذهبوا ينصبون الشبهات لتبرير فعلهم، نسأل الله أن يهدينا وإياهم، وأما أهل العلم فقد فهموا تلك الأحاديث على ما يليق بعلمهم وفضلهم، وبينوها للناس كما أوجب الله عليهم، وحذروا مما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن رجب في كتابه (فتح الباري) شرح صحيح البخاري: " هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين وتصوير صورهم كما يفعله النصارى، ولا ريب أن كل واحد منهما محرم على انفراده، فتصوير صور الآدميين يحرم وبناء المساجد على القبور بانفراده يحرم، كما دلت نصوص أخرى يأتي ذكر بعضها، قال: والتصاوير التي في الكنيسة التي ذكرت أم حبيبة وأم سلمة، كانت على الحيطان ونحوها ولم يكن لها ظل، فتصوير الصور على مثال صور الأنبياء والصالحين للتبرك بها والاستشفاع بها يحرم في دين الإسلام، وهو من جنس عبادة الأوثان، وهو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أهله شرار الخلق عند الله يوم القيامة، وتصوير الصور للتأسي برؤيتها أو للتنزه بذلك والتلهي محرم وهو من الكبائر، وفاعله من أشد الناس عذاباً يوم القيامة، فإنه ظالم ممثل بأفعال الله التي لا يقدر على فعلها غيره، وأنه تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه وتعالى ".


(١) رواه البخاري (٣٤٦٢) ومسلم (٢١٠٣)
(٢) رواه أبو داود (٦٥٢) والحاكم (١/ ٢٦٠) وقال الحاكم إسناده صحيح، وقال العراقي إسناده حسن، وصححه الألباني
(٣) رواه الترمذي (٢١٨٠) وأحمد (٥/ ٢١٨) (٢١٩٤٧) والطبراني (٣٢٩٢) وقال الترمذي حسن صحيح وكذلك صححه الألباني

<<  <  ج: ص:  >  >>