للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث العاشر: النهي عن مشابهة المشركين وأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم]

من شدة عناية الإسلام بتحقيق وحدة الجماعة المسلمة وتماسكها والتحذير من تفرقها حرص على تميز هذه الجماعة واستقلاليتها عن باقي الجماعات الإنسانية لتظل بأفرادها متماسكة متحدة متميزة لذلك نهينا عن التشبه بالكفرة من المشركين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى خاصة فنهينا عن مشابهتهم في أمورهم الدينية والدنيوية جملة وخص بعض الأمور بالنهي عنها كالنهي عن مشابهتهم في أعيادهم أو في طريقة صومهم أو مشابهتهم في أخلاقهم وسلوكياتهم كالحسد والبغي وكتم العلم أو الغلو في الدين وغير ذلك كثير. كل ذلك ليضمن تميز الشخصية المسلمة ويحول دون ذوبانها في شخصيات غيرها وانصهارها بهم مما يورث ضعفها ودخول الفرقة بين صفوفها (١).

ودل على هذا النهي نصوص الكتاب والسنة وما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم.

يقول الله عز وجل: وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية:١٦ـ ١٨].فنهى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون, وأهواؤهم: هو ما يهوونه وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك فهم يهوونه وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه, ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم ويسرون به (٢).ولقد دلت السنة المطهرة على النهي عن مشابهة الكافرين والإخبار أيضا أن هذا سيقع, ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا ذراعا حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن)) (٣).وهذا كله خرج منه ـ عليه الصلاة والسلام ـ مخرج الخبر عن وقوع ذلك والذم لمن يفعله كما كان يخبرعما يفعله الناس بين يدي الساعة من الأشراط والأمور المحرمات فعلم أن مشابهتها: اليهود والنصارى وفارس والروم مما ذمه الله ورسوله (٤).ولقد أكد النهي عن مشابهة الكافرين والتحذير منه الصحابة الكرام رضي الله عنهم بما أخبروا من وقوعه: فيقول عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: لم يكن في بني إسرائيل شيء إلا كائن فيكم (٥)


(١) انظر ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ٩٢ـ ٩٤).
(٢) انظر ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ٩٧ـ ٩٩).
(٣) رواه البخاري (٣٤٥٦)، ومسلم (٢٦٦٩). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٤) انظر ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ١٦٩) (١/ ١٠٢) ((فتح الباري)) (١٣/ ٣٠١).
(٥) رواه محمد بن نصر المروزي في ((السنة)) (٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>