للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب التاسع: دور الفرس في التشيع والتصوف]

لقد كان للفرس والجنس الإيراني الدور المميز الخاص في التصوف والتشيع. فأئمة التصوف ورواده الأول بلا استثناء قد كانوا من الفرس والموالي ولم يكن منهم عربي قط. وقد ارتبط التشيع أيضاً قديماً باسم الفرس حتى إنه لا يكاد يذكر التشيع إلا ويقترن ذكره بذكر الفرس .. وقد كان لذلك أسبابه الخفية بلا شك. وقد كتب الدكتور كامل الشبيبي في كتابه (الصلة بين التصوف والتشيع) فصلاً خاصاً بذلك حيث يقول:

أثر الشعب الإيراني في التشيع والتصوف:

"ويهمنا في هذا المجال أن نورد رأياً لبراون رواه الباحث الإيراني المعاصر الدكتور قاسم غني -ومر بنا أصله- مؤداه أن (الإيرانيين -بعد رضوخهم لسيف العرب إثر حروب القادسية وجلولاء وحلوان ونهاوند- بذلوا استقلالهم وشوكتهم عن يد وهم صاغرون، وسواء أشاءوا أم أبوا دخلوا الإسلام بحكم غريزة المحافظة، غير أن العرب -الذين نظر إليهم الإيرانيون بعين الاحتقار من قديم- لم يستطيعوا مع غلبتهم أن يحملوا الإيرانيين على مشاركتهم طراز التفكير والعقيدة والسلفية والمنطق والآمال والمطالب الروحية، لأن التباين -شكلاً ومعنى- كان عظيماً في العنصر وطريقة المعيشة والأوضاع الاجتماعية. وعلى ذلك فإن انتهاء الصراع بهزيمة إيران أوجد انفعالات روحية وتأثرات معنوية في الإيرانيين على شكل صراع فكري ظهر في التاريخ الأدبي والمذهبي والاجتماعي والسياسي، وأثر العرب في الإسلام، وكان التشيع وكذلك التصوف من أهم ردود الفعل التي أورثها هذا الصراع الفكري) (تاريخ تصوف در إسلام ٣ - ترجمة-).

وقد أوضح الدكتور قاسم غني هذه الفكرة وبين جوهرها بقوله: (ويجب أن نبين هنا أن رد الفعل هذا لم يأت عن عمد واختيار وإرادة على خطة مرسومة يراد بها الانتقام بل كان أكثره متأنياً بحكم الانفعال النفسي وتحت تأثير العواطف والأحاسيس الخفية التي يعرفها علم النفس، أي أن ذلك قد حدث غالباً دون أن يجد له الناس علة واقعية ودون أن يحللوه، ولكن ذهنهم كان مسوقاً إلى هذا العمل بهذه الطريقة) (تاريخ تصوف در إسلام ٣ - ترجمة) ولقد نطق إيراني معاصر -في صراحة وجلاء- بهذه الحقيقة واعترف بأن التصوف قد ظهر في إيران (في عصر تسلط على وطننا فيه عدو قوي، فلما لم يجد الإيرانيون قدرة على المخالفة والمبارزة سلكوا سبيل الهزيمة واتخذوا القوى الغيبية معتقداً لهم وألقوا سلاحهم في ميدان تنازع البقاء ... وعلى هذا فقد كان التصوف حينئذ ضرورة من الضرورات وليس اليوم كالأمس، ويجب ألا نحمل الأفكار الصوفية محمل الجد) (تصوف للبرفسور عباس مهرين: المقدمة -ترجمة- الواقع أن هذه المعاني متضمنة في صورة واضحة في عبارة ابن حزم الواردة في كتابه (لفصل) طبع مصر ١٣٢١م ٢/ ١١٥. وقد عبر عنها براون وغيره بألفاظهم).

<<  <  ج: ص:  >  >>