للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع: تأثرهم بالفكر اليوناني الوثني]

إن من أهم العوامل التي أدت إلى انحراف الصوفية هو تأثرهم بالفكر اليوناني الوثني.

ومما يدل على تأثر المتصوفة بأفكار الفلاسفة اليونانيين كأفلاطون وأرسطو طاليس ثناء كبار المتصوفة على هؤلاء الفلاسفة وتمجيدهم ووصفهم بالطهر والثناء على طريقتهم بوصفهم لها بأنها من أحسن الطرق التي ينبغي اتباعها لتطهير النفوس وصفائها.

وإلى جانب ذلك فقد أثبت المفكرون الإسلاميون الذين كتبوا عن التصوف تأثر المتصوفة بالفكر اليوناني في قضايا اعتقادية وسلوكية كثيرة وبما أنه يصعب حصر هذه الأشياء التي أخذها المتصوفة عن اليونانيين سأكتفي بذكر نماذج فقط لأن المقصود هو الإثبات بأن من أهم العوامل التي أدت إلى انحراف المتصوفة هو تأثرهم بالفكر اليوناني وليس المقصود حصر الأمور التي يلتقي فيها المتصوفة مع فلاسفة اليونان فإن هذا يحتاج إلى رسالة مستقلة وإليك بيان هذا فيما يلي:

أولا: أقوال كبار أئمة التصوف التي تدل على تأثرهم بفلاسفة اليونان وإعجابهم بهم:

فمن المتصوفة الذين ذكروا إعجابهم بفلاسفة اليونان عبد الكريم الجيلي فقد قال في كتابه (الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر) في الجزء الثاني منه كلاما يدل دلالة صريحة وواضحة على حبه العميق لموجدي الفلسفة اليونانية وإعجابه بهم وإلك نص كلامه الذي يدل على ما قلناه: فقد قال: (ولقد اجتمعت بأفلاطون الذي يعدونه أهل الظاهر كافرا فرأيته وقد ملأ العالم الغيبي نورا وبهجة ورأيت له مكانة لم أرها إلا لآحاد من الأولياء فقلت له: من أنت؟ قال قطب الزمان وواحد الأوان ولكم رأينا من عجائب وغرائب مثل هذا ليس من شرطها أن تغشى وقد رمزنا لك في هذا الباب أسرارا كثيرة ما كان يسعنا أن نتكلم فيها بغير هذا اللسان فالق القشرة من الخطاب وخذ اللب إن كنت من أولي الألباب) (١).وقد ذكر في مكان آخر من كتابه بأن أرسطو تلميذ أفلاطون لزم خدمة الخضر واستفاد منه علوما جمة وكان من تلامذته (٢).

قلت: ادعاء عبد الكريم الجيلي بأن أفلاطون ألتقى بالحضر كذب محض وليس بصحيح لأن أفلاطون رجل وثني كافر والخضر نبي من أنبياء الله على القول الراجح ولأن الخضر قد مات أيضا على القول الراجح كما سنبينه في الباب الثالث من هذه الرسالة.

وهل عبد الكريم الجيلي يدعي مثل هذا الادعاء لكي يبرر الأخذ من الوثنيين اليونانيين وينشر عقائدهم في أوساط المسلمين لو لم يكن معجبا بهم، ومن المتصوفة الذين مدحوا الفلاسفة اليونانيين لسان الدين الخطيب فقد نقل عن أرسطو أنه قال:


(١) ((الإنسان الكامل)) لعبد الكريم الجيلي (٢/ ٥٢ـ ٥٣).
(٢) ((الإنسان الكامل)) لعبد الكريم الجيلي (٢/ ١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>