للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الخامس: إفساد المنطلقات]

القرآن:-

لم يستطع المتصوفة تحريف القرآن؛ لأن الله، له الحمد، حفظه باعتناء المسلمين بحفظه ودرسه وتدريسه والتعبد بقراءته في الصلاة وفي التلاوة آناء الليل وأطراف النهار، فعمدوا إلى تحريف معانيه، وهذا مثل من تفسيرهم، منقول عن (تفسير القرآن الكريم للشيخ الأكبر العارف بالله العلامة محيي الدين بن عربي): الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران:١٧٢]: يقول الشيخ الأكبر مفسراً هذه الآية: الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ [آل عمران:١٧٢]، بالفناء في الوحدة الذاتية. وَالرَّسُولِ [آل عمران:١٧٢]، بالمقام بحق الاستقامة. مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ [آل عمران:١٧٢]، أي: كسر النفس. لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ [آل عمران:١٧٢]، أي: ثبتوا في مقام المشاهدة. (وَاتَّقَوْا) [آل عمران:١٧٢]: بقاياهم. أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران:١٧٢]، وراء الإيمان، هو روح المشاهدة (١).

ومثل آخر: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ [التوبة:١٠٠]: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ [التوبة:١٠٠]، أي: الذين سبقوا إلى الوحدة من أهل الصف الأول. مِنَ الْمُهَاجِرِينَ [التوبة:١٠٠]، الذين هجروا مواطن النفس. وَالأَنصَارِ [التوبة:١٠٠]، الذين نصروا القلب بالعلوم الحقيقية على النفس، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ [التوبة:١٠٠]، في الاتصاف بصفات الحق. (بِإِحْسَانٍ) التوبة:١٠٠، أي: بمشاهدة من مشاهدات الجمال والجلال (٢) ...

وقد مر في الفصول السابقة أمثلة أخرى على تحريفهم لمعاني القرآن، وهي بعض من كل، ومن يريد الاستزادة يستطيع الرجوع إلى كتابهم المقدس (إحياء علوم الدين) ليرى من التزوير في التفسير ما تقشعر له أبدان الذين يؤمنون بالله ورسله وكتبه ويرجون اليوم الآخر، وكذلك بقية كتبهم على تفاوت بينهم في العبارة وفي عدد ما يفسرونه من آيات. وقد رأينا نثرات من تفاسيرهم للقرآن تفاسير سحرية، وكتبهم ملأى باستعمالات القرآن في اتجاهات سحرية.

الإفساد في الحديث:-

كان اعتناء المسلمين بالحديث الشريف، وما زال، أقل من اعتنائهم بالقرآن الكريم، لأسباب معروفة، مما ترك مجالاً للدس والتقول على الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخذ المتصوفة حريتهم بوضع ما يملي عليهم الكشف من أحاديث، وتضعيف ما يضعفه الكشف، وتصحيح ما يصححه، حتى كانوا هم وراء قسم كبير من ركام الأحاديث الموضوعة المعروفة، وتلك التي لم تزل مدرجة في قسم الأحاديث الضعيفة، والتي تشكل نسبة عالية فيها.

وأوضح دليل على هذا هو كتاب (إحياء علوم الدين) لحجة الإسلام، الإمام، ففيه مئيات من الأحاديث الموضوعة التي يقول عنها الحافظ العراقي: لم أجده، أو لم أجد له أصلاً، وهذا يعني، بدهياً، أن الواضع لها هو الغزالي أو كشفه، ونقول للذين يقولون خلاف هذا: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، وأرونا المصدر الذي أخذ منه الغزالي هذه الأحاديث.


(١) ((تفسير ابن عربي)): (١/ ٢٣٥).
(٢) ((تفسير ابن عربي)): (١/ ٥٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>