للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الخامس: الاستغاثة بمشايخ الطريقة الرفاعية]

أما الاستغاثة بمشايخ الطريقة فمثاله قول خليفة الشيخ أحمد الرفاعي علي بن عثمان: «يا سادة، من كان له منكم حاجة فليلزمني بها، ومن شكى إلي سلطانه أو شيطانه أو زوجته أو دابته أو أرضه إن كانت لا تنبت أو نخلة لا تثمر أو دابة لا تحمل فليلزمني بها فإني مجيب له». (١) ويذكر الصيادي قصة قوم في بيروت يستغيثون بالبدوي وهو في قبره في مصر، ويسألونه بحق النبي صلى الله عليه وسلم أن ينجيهم من قبضة الإفرنج الصليبيين يقول الصيادي: «وذكر أن جماعة من أهل بيروت أسرهم الإفرنج، فألهمهم الله أن يقولوا: يا سيدي أحمد يا بدوي: إن الناس يقولون إنك تأتي بالأسرى إلى بلادهم، وقد سألناك بالنبي صلى الله عليه وسلم أن تردنا إلى بلادنا. فمكنهم البدوي من الهروب من الإفرنج». (٢) وهذا يوضح حقيقة اعتقاد الرفاعية في الأموات من مشايخ التصوف وأنهم يفعلون ما لا يمكن للأحياء فعله. وقد ذكر الوتري أن من الأولياء أربعة يتصرفون في قبورهم كتصرف الأحياء تماما وهؤلاء الأربعة هم: الشيخ عقيل المنبجي والشيخ قيس الحراني والجيلاني والشيخ معروف الكرخي. (٣) وقالوا في هذا الأخير: قبر معروف الكرخي: «الترياق المجرب» وأنهم جربوه لقضاء الحوائج. (٤)

ثم مما يلاحظ في قصة استغاثة الأسرى بالبدوي أنهم توسلوا إليه بحق النبي صلى الله عليه وسلم وهذا توسل إلى المخلوق بالمخلوق، وليس توسلا إلى الخالق بالمخلوق، وليس لله في ذلك ذكر ولا شأن عندهم.

وهذه الرواية ذكرها الصيادي في كتابه (قلادة الجواهر). هذا الكتاب الذي قرظه كثير من علماء الشام ولبنان وأثنوا عليه مع ما فيه من أقوال الشرك. وروى النبهاني عن عامر العراقي أنه أتى الشيخ إبراهيم الأعزب مودعا فقال له إبراهيم: «إذا وقعت بشدة فناد باسمي. قال عامر: ففي صحراء خراسان أخذتنا خيالة (قطاع طرق) فذكرت قول الشيخ وكان بجانبي رفقة فاستحييت من ذكر اسمه بلساني لأنهم «لا يفهمون مثل ذلك» فاختلج في صدري الاستغاثة به، فلم يتم ذلك حتى رأيته على جبل يومئ بعصا إليهم فجاءوا بجميع أموالنا». (٥) ولما مات الشيخ عبد الله البلتاجي زاره يوسف العجمي فضاعت حمارته في الطريق فجاء إلى قبر البلتاجي وقال له: «يا عبد الله رد علي حمارتي وإلا لم أعد أزورك. فطلع الشيخ عبد الله من القبر وأتاه بالحمارة من البرية وقال: يا يوسف إذا جئت لزيارتنا مرة أخرى فقيد حمارتك بقيد من حديد». (٦)

ورأى أحد مريدي الشيخ عز الدين الصياد أن ينقطع عن مجلسه وتعذر له بأعذار عديدة. وفي إحدى الليالي رأى القيامة قد قامت وأنهم جاؤا به إلى جهنم، فلما قذفوه في النار صاح «يا شيخي» فمد شيخه عز الدين الصياد يده واجتذبه قبل أن يصل، وقد لفح النار ثيابه فاستيقظ مذعورا مرعوبا وقام لوقته ذاهبا إلى شيخه المذكور، فلما دخل عليه أكب «على رجليه» معتذراً، قال له شيخه عز الدين: «ولفح اللهب كما مس ثيابك مس جبتنا وصانك الله من النار». قال المريد: «لقد رأيت أثر لفح اللهب في ثيابي وفي جبة أكمام سيدي حيث صارت دخانا». (٧)

علق الصيادي على هذه القصة قائلا: «وهذه الكرامة تشير إلى قوة تصرفه في البرزخ» أي تصرفه في اليوم الآخر وليس في الدنيا فحسب!! وبعد: فهذه نماذج من عقائد هؤلاء وهي في نظري تحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد الأوثان)) (٨)

والاتجاه إلى المخلوق عند الشدائد من الشرك والوثنية إذ ليس بالضرورة أن يكون الوثن ذاك الصنم الحجري. بل اتباع الهوى واستبداله بالشريعة وثنية أيضاً كما قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية: ٢٣].

المصدر:الطريقة الرفاعية لعبد الرحمن دمشقية - ص ١٢٧ - ١٥٤ بتصرف


(١) ((قلادة الجواهر)) (ص٣٢٣)، ((روضة الناظرين)) (ص ٨٤).
(٢) ((قلادة الجواهر)) (ص٤٠٢).
(٣) ((روضة الناظرين)) (ص٣٧).
(٤) ((قلادة الجواهر)) (ص٤٣٧)، ((الرسالة القشيرية)) (ص ٩).
(٥) ((جامع كرامات الأولياء)) (١/ ٢٣٧).
(٦) ((قلادة الجواهر)) (ص٤١٣).
(٧) ((إرشاد المسلمين)) (١٠٢ – ١٠٣)، ((خزانة الامداد في تاريخ بني صياد)) (٢٩ – ٣٠).
(٨) رواه أبو داود (٤٢٥٢) والترمذي رقم (٢٢١٩) وأحمد (٥/ ٢٨٤) (٢٢٥٠٥) والحاكم (٤/ ٤٩٥) (٨٣٨٤) والحديث سكت عنه أبو داود وقال الترمذي حسن صحيح، وصححه الألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>