للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: تحذيره من كذب الصوفية على أئمتهم]

والذين غلوا في الرفاعي هم أنفسهم الذين رووا عنه أنه كان ينهى عن الغلو والشطح وما شابههما ويقول بأنهما «زندقة بشكل تصوف».يقول الرفاعي: «وإننا ما رأينا من عواقب أهل الغلو إلا أنهم ضلوا وأضلوا وما رأينا من عواقب التشرع - يعني الاستقامة على الشريعة وملازمة السنة - إلا السلامة». (١)

وكان يحذر أتباعه من أن ينساقوا وراء حكايات المتصوفة وأكاذيبهم التي نسبوها إلى مشايخهم كما أسلفت ذلك عنه حيث قال: «واحذر الفرقة التي دأبها التفكه بحكايات الأكابر وما ينسب إليهم فإن أكثر ذلك مكذوب عليهم». (٢)

وفي موضع آخر نجده يكشف الستار عن حقيقة ما يكمن وراء دعاوى الوجد والتخشع والتزهد والتصفية التي يدعيها المتصوفة فيقول لأحد تلاميذه: «يا بني، إذا نظرت في القوم الذين ادعوا التصوف اليوم وجدت أن أكثرهم من الزنادقة الحرورية والمبتدعة، ورأيتهم أكثر الناس جهلاً وحمقاً، وأشدهم مكراً وخديعة، وأعظمهم عجبا وتطاولا، وأسوأهم ظنا بأهل الزهد والتقوى. (٣) بل نراه يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حين نجده يؤكد اشتقاق التصوف من أحد زهاد الجاهلية في قريش قبل الإسلام، واسمه: «الغوث بن مرة بن أد بن طابخة الربط». (٤)

وكان رحمه الله يعيب على الصوفية موقفهم من الفقهاء وتذمرهم من إنكارهم الدائم عليهم قائلا: «قل يا أخي للمساكين المحجوبين من الصوفية: ما تريدون أن يوجد في قطركم هذا الرجل العالم يدفع شبه الملحدين وأهل البدع والزيغ بالحجج الظاهرة». (٥)

ويستفاد من هذا النهي عن انتهاج منهج الصوفية المتسم بالغلو ما يلي:

(أولاً) اعترافه بمادة الغلو التي عرفت عند الصوفية.

(ثانياً) اعترافه بكثرة كذبهم على مشايخهم وأئمتهم.

(ثالثاً) اعترافه بأن أكثرهم من الزنادقة المبتدعة الذين يتسترون بالزهد والتذلل والانكسار ويبطنون العجب والتطاول على حد قوله.

(رابعاً) اعترافه بكثرة إنكار الفقهاء عليهم، وليس ذلك إلا لسهولة انتشار البدع والمخالفات الشرعية بينهم.

وموقف الشيخ رحمه الله من البدعة لا يتفق وموقف أتباعه منها، ويتجلى ذلك في قوله: «لو عبد العابد ربه خمسمائة عام بطريقة غير شرعية، فعبادته راجعة إليه، ووزره عليه، ولا يقيم الله له يوم القيامة وزنا، وركعتان من فقيه في دينه أفضل عند الله من ألفي ركعة من فقير جاهل في دينه». (٦) وقوله: «إياكم ومحدثات الأمور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (٧) اطلبوا الله بمتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإياكم وسلوك طريق الهدى بالنفس والهوى، فمن سلك الطريق بنفسه ضل في أول قدم».


(١) ((المعارف المحمدية)) (ص ٤٢).
(٢) ((الكليات الأحمدية)) ١٢٢) - ١٢٣) ط: مطبعة الواعظ - مصر. جمع محمد أبي الهدى الصيادي.
(٣) ((حالة أهل الحقيقة مع الله)) (ص ١٠٥)، ((الكليات الأحمدية)) (ص ١٥٦).
(٤) ((البرهان المؤيد)) (ص ١٤).
(٥) ((المعارف المحمدية)) (ص ٧٩)، ((البرهان المؤيد)) (٩١ - ٩٢).
(٦) كتاب ((البرهان المؤيد)) (ص ٤) وكتاب ((حالة أهل الحقيقة مع الله)) (ص ٤). وكلا الكتابين لهما القبول عند سائر الرفاعية ويعترفون بصحة نسبتهما إليه.
(٧) رواه البخاري (٢٦٩٧) ومسلم (١٧١٨) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>