للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: الصيادي يصرح بأن الخوارق تقع عند ذكر اسم الرفاعي]

إن احتمال أن تكون هذه الخوارق خدعة شيطانية قريب جدا وغير مستبعد لا سيما أنها تحصل لهم عند الاستعانة بالرفاعي وندائه. والرفاعية يعترفون بأن خوارقهم لا تحصل إلا عند ذكر اسم الرفاعي وطلب المدد منه. وهذه هي مادة الشرك التي بها تحصل الخوارق بواسطة الشياطين. هذه المادة التي بها يفعل الوثنيون من البوذيين والهندوس فعل خوارق مماثلة لخوارق الرفاعية. فالاعتراف الأول: من الصيادي نفسه الذي أنشد يثني على الرفاعي ويقول (١):

له مدد قد أطفأ النار نوره ... وعزم به ما السيف أن سل باتر

يذل الأفاعي حين يذكر اسمه ... وتخضع أسد الغاب وهي كواشر

يمد ويحمي الملتجي لطريقه ... سواء بها بر ومن هو فاجر

ناده واهجم على ليث الثرى ... تلقه في غابه كالثعبان

ناده وأقبل على الأفعى تقف ... وتناولها تجدها غصن بان

وبهذا الاعتراف يسقط ما قاله الصيادي من أن دخول الرفاعية النار مسبوق بمعجزة إبراهيم الخليل، وأن السقوط من أعلى إلى أسفل مسبوق بإسقاطه عليه السلام بالمنجنيق، وأن أخذ الحيات مسبوق بمعجزة موسى.

فإن معجزة إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان سببها التوحيد ومحاربة الوثنية بين قومه.

أما الرفاعية فلا تمنح الخوارق لهم إلا عند ذكر اسم الرفاعي والاستغاثة به.

وأما اللعب بالحيات فلم يكن من عمل موسى وإنما كان من عمل سحرة فرعون، فإن موسى لم يمسك حية واحدة وإنما ألقى العصا فانقلبت حية، وكانت معجزته تحديا لأخذهم الحيات الذي كان من وراءه شياطين الجن.

ثم إن الشبه إنما هو حاصل في الحقيقة بين الرفاعية وبين سحرة فرعون وليس بينهم وبين موسى. فإن الرفاعية يقولون: «بعزة الرفاعي» عند فعل الخوارق وكان سحرة فرعون يقولون: «بعزة فرعون» فكلا الفريقين يعتزون بغير الله فمن أين وقع الشبه بينهم وبين موسى؟ إنهم كانوا - ولا يزالون - يمسكون الحيات ويدأبون على اللعب بها والتباهي بذلك أمام الناس كما قال الشيخ الألوسي عنهم بأن أعمالهم «مسك الحيات والعقارب» (٢)

الاعتراف الثاني: من أحد من كانوا من كبار الطريقة الرفاعية في هذا العصر واسمه (مصطفى السعدني) (٣) بقي في هذه الطريقة زمناً طويلاً إلى أن نال فيها مرتبة «الشاويشية» ثم رجع عنها. وقد التقيت به فترة بمصر، ثم أرسل إلي رسالة أخبرني فيها أنهم كانوا يستغيثون بالرفاعي ويطلبون منه أن يذلل لهم الثعابين فيتمكنون من تذليلها، وكانوا ينادون باسمه ويغرسون الدبابيس في وجوههم، والصيغة كانوا يقولونها كالتالي:

ناد على الأربعة يلي أنت لهم محتاج

أربع سلاطين أمارى لابسين التاج

أحمد ويا أحمد (٤) نظرة يا أبا فراج

دسوقي وجيلاني نظرة يا ساكن بغداد

أنا لاموني العوازل لقول سر الكرام راح فين

أنا لهجم على الدبوس وقول مددين

مدد يا أبا العلمين

قال: ثم نغرس الدبوس بهذا الدعاء الشركي، الذي به كنا نمسك الثعابين ونخرجها من الشقوق أمام الناس في القرى.

وقد أخبرني شخصياً أن أهم ما جعله يعيد النظر في انتمائه إلى الرفاعية هو قصة ذوبان الشيخ الرفاعي وتحوله إلى ماء كلما ذكر ربه، وما تتضمنه هذه القصة من الخرافة التي لا يمكن للعقل استساغتها.

وهنا ينجلي الأمر وتنكشف حقيقته، فإن الشياطين وراء هذه الخوارق يسوقون الناس بها إلى الشرك بالله واعتقاد حل المشكلات وكشف الكربات والاتيان بالمعجزات بواسطة الرفاعي والبسملة به لا بالله.

وهذا هو السر في اعتراف الشيخ صالح الرفاعي أحد كبار الرفاعية أمام ابن تيمية وأمام أمير البلاد بأن: «أحوالنا ما تنفذ أمام أهل الكتاب والسنة وإنما تنفذ أمام من لا يكون كذلك من الأعراب والترك والعامة». فذكر ابن كثير أنه قال: «نحن أحوالنا إنما تتفق عند التتار، ليست تتفق عند الشرع». قال ابن كثير: فضبط الحاضرون عليه تلك الكلمة. (٥)

وذلك لأن أهل الشرع والسنة تؤيدهم الملائكة فتنكص الشياطين حينئذ على أعقابها كما نكصت يوم الزينة يوم حشر الناس ضحى، وانكشف للناس السحر وبطل عمله. ولا يفلح الساحر حيث أتى


(١) ((القواعد المرعية)) (ص ٣٣)، ((المعارف المحمدية)) (ص ٩٠)، ((تطبيق حكم الطريقة العلية)) (ص ٣١٣) للصيادي
(٢) ((غاية الأماني)) (١/ ٣٧٠).
(٣) مصري من قرية «إيتاي البارود» محافظة البحيرة.
(٤) يقصدون بالأول: الرفاعي وبالثاني البدوي.
(٥) ((البداية والنهاية)) (١٤/ ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>