للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثالث: إلغاء مسألة الثواب والعقاب عند القادرية والصوفية عامّة وأنه لا فرق بين الجنة والنار ولا بين الطائع والعاصي ثم قال القادري في الفيوضات صـ٧ مفترياً على الله أنه أوحي إلى شيخهم عبد القادر: "ثمّ قال لي (أي الله): لا ألفة ولا نعمة في الجنان بعد ظهوري فيها ولا وحشة ولا حرقة في النار بعد خطابي لأهلها"اهـ. وكيف لا يكون في النار حرقة والله يقول لأهلها: اخسئوا فيها ولا تكلمون. وهذا إلغاء لمسألة العقاب والثواب. وليس ذا بمستنكر عند الصوفية طالما أن الكل عين واحدة هي الله فالجنة والنار سواء والمسلمون والكافرون وموسى وفرعون سواء وكلهم مرحومون إذ هم جميعاً عابدون لله بل هم الله، وقد مرَّ قول ابن عربي: (أما أهل النار فمآلهم إلى النعيم)، وقول الباني والحسُّون: (إن أهل النار يتلذذون فيها). ولمّا كان الأمر كذلك فلا فرق بين الطاعة والمعصية بل المعصية -عندهم- أفضل، يقول القادري في كتابه المذكورصـ١١: "ثم قال لي-أي الله- يا غوث الأعظم ما بعد عني أحدٌ من أهل المعاصي وما قرب أحدٌ مني من أهل الطاعات، وأهل الطاعات محجوبون بالطاعات. بشِّر المذنبين بالفضل والكرم وأنا بعيد من المطيع إذا فرغ من الطاعات (١) ثم قلت: أي عمل أفضل عندك؟ قال: العمل الذي ليس فيه سوائي من الجنة والنار وصاحبه عنه غائب"اهـ. وهذا المعنى معروف لدى الصوفية فمن الشرك -عندهم- طلب الجنة والخوف والتعوُّذ من النار لأنّ المنشود -عندهم- هو الاتحاد بالله وحلوله بهم، وربّما تلطّفوا فأوهموا قارئ بعض عباراتهم أنّ المقصود رضى الله وحبه فينقلون في كتبهم كثيراً عن امرأة ناقصة عقل ودين (١) قولها: "ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك" مع أنّه مخالف للقرآن وما كان عليه الأنبياء الذين هم أشد حبّاً لله قال تعالى في وصفهم: وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء: ٩٠]. وقال سبحانه: قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأنعام: ١٥] وقال تبارك اسمه: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: ١٦]، وقال تعالى حاكياً عن السحرة الذين آمنوا بموسى: إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا [طه: ٧٣]، وأخبرنا سبحانه أنّ من صفات عباد الرحمن أنّهم يقولون: رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [الفرقان: ٦٥]، وقال سبحانه في وصف المحسنين: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا [السجدة: ١٦] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدندن في صلاته حول طلب الجنة والتعوذ من النار كما في حديث الفتى الأنصاري ((الذي خاصم معاذاً رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لمّا أطال معاذ الصلاة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم وأنت ماذا تقول في صلاتك يا ابن أخي؟ فقال الفتى: أمّا أنا فأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار ولا أفهم دندنتك ودندنة معاذ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حولها ندندن)). الحديث (١).

المصدر:حجة المؤمن على من اعتقد أن فرعون مؤمن لمنصور بن سليمان الحمدوني


(١) رواه أبو داود (٧٩٢) وابن ماجه (٩١٠) والحديث سكت عنه أبو داود، وقال النووي في ((خلاصة الأحكام)) (١/ ٤٤٣) إسناده صحيح، وصححه ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (٢/ ٢٢٦) وصححه الألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>