للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب السادس: هل قال الإمام أحمد بالتأويل؟]

القول بأن الإمام أحمد قال بالتأويل تلقفته طائفتان:

إحداهما: طائفة من الحنابلة الذين مالوا إلى شيء من بدع أهل الكلام، حيث جعلوا مثل هذا النقل عن الإمام أحمد حجة لهم في مخالفتهم لما هو مشهور عن جمهور أصحابه المتبعين لمذهب السلف

والأخرى: طائفة من الأشاعرة وغيرهم، ليستدلوا بمثل هذا النقل على صحة مذهبهم في تأويل بعض الصفات، وأنهم غير مخالفين لمذهب السلف. والذي روى عن الإمام أحمد في هذه المسألة لا يتعدى أحد نقلين: أحدهما: ما نقله الغزالي – في معرض حديثه عن الإمام أحمد ومنعه من التأويل – قال الغزالي: "سمعت بعض أصحابه يقول: إنه حسم باب التأويل إلا لثلاثة ألفاظ: قوله صلى الله عليه وسلم: ((الحجر الأسود يمين الله في أرضه)) (١)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن) (٢)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن ... )) (٣) وقد نقل الرازي هذا عن الغزالي مع تبديل في أحد الأحاديث (٤).الثاني: ما نقله حنبل في المحنة، عن الإمام أحمد، يقول: احتجوا عليّ يوم المناظرة، فقالوا: تجيء يوم القيامة سورة البقرة، وتجيء سورة تبارك؟ قال: فقلت لهم: إنما هو الثواب، قال الله جل ذكره: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: ٢٢]، وإنما تأتي قدرته، القرآن أمثال ومواعظ، وأمر ونهي، وكذا وكذا" (٥)، وأحال القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات على رواية حنبل فقال: "وقد قال أحمد في رواية حنبل في قوله وَجَاء رَبُّكَ قال قدرته" (٦). ونقل هذه الرواية عن القاضي أبي يعلى بعض الحنابلة، منهم ابن الجوزي في تفسيره (٧)، وفي كتابه (الباز الأشهب) (٨) – الذي نصر فيه مذهب أهل التعطيل -، كما نسبه البيهقي إلى الإمام أحمد (٩).


(١) رواه ابن عدي في الكامل)) (١/ ٣٤٢) والخطيب في تاريخ بغداد (٦/ ٣٢٦) من حديث جابر وقال الخطيب: منكر وقال ابن تيمية في ((درء التعارض)): معروف من كلام ابن عباس، وروي مرفوعاً وفي رفعه نظر.
(٢) رواه مسلم (٢٦٥٤).
(٣) ((إحياء علوم الدين)) (١/ ١٠٣) والحديث رواه البزار في ((البحر الزخار)) (٩/ ١٥٠) الطبراني في ((الكبير)) (٧/ ٥٢) (٦٣٥٨) والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (٢/ ٣٩١) قال البزار: هذا أحسن طريقاً يروى في ذلك. وصحح إسناده الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٣٣٦٧).
(٤) انظر: ((أساس التقديس للرازي)) (ص: ٨١)) حيث أبدل حديث أنا جليس من ذكرني بحديث قلوب العباد الذي ذكره الغزالي.
(٥) ((الجوهر المحصل في مناقب الإمام أحمد)) (ص: ٨٥)، وانظر (ص: ٨٢)، وانظر: ((الاستقامة)) (١/ ٧٤).
(٦) ((إبطال التأويلات))، (ص: ٦١) – مخطوط.
(٧) ((زاد المسير)) (البقرة: ٢١)، (١/ ٢٥٥)، وفي سورة الفجر آية: ٢٢ أحال على آية البقرة.
(٨) (ص: ٦١)، وهو نفسه ((دفع شبه التشبيه)) والنص فيه (ص: ٤٥)، وأن كان الباز فيه بعض الزيادات. والعجب أن محققي الكتابين – الكوثري، ومحمد منير – يشربان من عين واحدة، هي عين التعطيل وقد رد على ابن الجوزي في دعواه نسبة التأويل إلى الإمام أحمد صاحب رسالة: ((ابن الجوزي بين التفويض والتأويل)) (ص: ١٣٨ - ١٤٣) – ط على الآلة الكاتبة.
(٩) كما ذكره ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (١٠/ ٣٢٧) – وقد سبقت الإشارة إلى ذلك (ص: ٥٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>