للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الرابع: أقوال علماء الفرق في التأويل الباطني عند الإسماعيلية وأما أهل المقالات من علماء المسلمين فقد نقلوا نماذج كثيرة من مثل هذه التأويلات – التي قررها الباطنيون لأنفسهم مستخلصين بعد ذلك هدفا خطيرا ويسعى إليه أهل هذا التأويل فمما قال البغدادي: إنهم تأولوا لكل ركن من أركان الشريعة تأويلا يورث تضليلا فزعموا أن معنى الصلاة موالاة إمامهم والحج زيارته وإدمان خدمته والمراد بالصوم الإمساك عن إفشاء السر للإمام دون الإمساك عن الطعام وزعموا أن من عرف معنى العبادة سقط عنه فرضها وتأولوا في ذلك قوله تعالى وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: ٩٩]، واليقين معرفة التأويل ونقل البغدادي رسالة متبادلة بين باطنيين ومما جاء فيها: وهل الجنة إلا هذه الدنيا ونعيمها وهل النار وعذابها إلا ما فيه أصحاب الشرائع من التعب والنصب في الصلاة والصيام والجهاد والحج (١).وقال الحمادي اليماني – وهو ممن دخل مذهبهم واطلع على أسرارهم – وأنهم في أول الدعوة يلبسون على المدعو فيحضونه على شرائع الإسلام لكنهم يخدعونه بروايات محرفة وأقوال مزخرفة ويتلون عليه القرآن على غير وجهه ويحرفون الكلم عن مواضعه فإذا رأوا منه قبولا وانقيادا قالوا له لا تقنع لنفسك بما قنع به العوام من الظواهر وتدبر القرآن ورموزه واعرف مثله وممثوله واعرف معاني الصلاة والطهارة والزكاة والصوم والحج فإن لهذه ممثولات محجوبة وهو باطنها فالصلاة صلاتان والزكاة زكاتان وكذلك الحج والصوم. وما خلق الله سبحانه من ظاهر الأدلة باطن فالظاهر ما تساوى به الناس وعرفه الخاص والعام وأما الباطن فقصر علم الناس عن العلم به فلا يعرفه إلا القليل فلا يزال الداعي ينقل مدعوه من درجة إلى أخرى حتى يحط عنه جميع التكاليف الشرعية ويقع ذلك المستجيب موقع الاتفاق والموافقة لأنه مذهب الراحة والإباحة يريحهم مما تلزمهم الشرائع من طاعة الله ويبيح لهم ما حظر عليهم من محارم الله (٢).

ويقول الغزالي: إن من ارتقى إلى علم الباطن انحط عنه التكليف واستراح من أعبائه وهم المرادون بقوله تعالى .... وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ..... [الأعراف: ١٥٧]، وفي موضع آخر قال: إن معتقد الباطنية في التكاليف الشرعية الإباحة المطلقة ورفع الحجاب واستباحة المحظورات واستحلالها وإنكار الشرائع وبناء على هذا المعتقد صنفوا الخلق صنفين:


(١) ((الفرق بين الفرق)) للبغدادي (ص: ٢٨٠ ٢٨١).
(٢) ((كشف أسرار الباطنية)) للحمادي (ص: ١١ – ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>