للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الرابع: أقوال علماء الفرق عن معتقد الإسماعيلية في الأخرويات]

كشف الإمام الغزالي عن تأويلات الإسماعيلية في معتقداتهم الأخروية وبين ما في هذه التأويلات من هدم للإيمان وجحد لما أعده الله للبشر من ثواب وعقاب فقال: وقد اتفقوا – أي الباطنية – عن آخرهم على إنكار القيامة وأن هذا النظام المشاهد في الدنيا من تعاقب الليل والنهار وحصول الإنسان من نطفة والنطفة من إنسان وتولد النبات وتولد الحيوانات لا ينصرم أبد الدهر وأن السموات والأرض لا يتصور انعدام أجسامها وأولوا القيامة وقالوا إنها رمز إلى خروج الإمام وقيام قائم الزمان وهو السابع الناسخ للشرع المغير للأمر وربما قال بعضهم إن للفلك أدوارا كلية تتبدل أحوال العالم تبدلا كليا بطوفان أو سبب من الأسباب وأما المعاد فأنكروا ما ورد به الأنبياء ولم يثبتوا الحشر والنشر للأجساد ولا الجنة والنار ولكن قالوا معنى المعاد عود كل شيء إلى أصله فالإنسان مركب من العالم الروحاني والجسماني أما الجسماني منه وهو الجسد فينحل ويعود كل خلط إلى طبيعته وأصله وذلك هو معاد الجسد وأما الروحاني وهو النفس فإنها إن صفيت بالمواظبة على العبادات وزكيت بمجانبة الشهوات وغذيت بغذاء العلوم والمعارف المتلقاة من الأئمة الهداة اتحدت عند مفارقة الجسم بالعالم الروحاني الذي منه انفصالها وتسعد بالعود إلى وطنها الأصلي ولذلك سمي رجوعا فقيل لها: ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً [الفجر: ٢٨] وهي الجنة وإليه وقع الرمز في قصة آدم وكونه في الجنة ثم انفصاله عنها ونزوله إلى العالم السفلاني ثم عوده إليها بالآخرة. وأما النفوس المنكوسة المغمورة في عالم الطبيعة المعرضة عن رشدها من الأئمة المعصومين فإنها تبقى أبد الدهر في النار إلى معنى أنها تبقى في العالم الجسماني تتناسخها الأبدان فلا تزال تتعرض فيها للألم والأسقام فلا تفارق جسدا إلا ويتلقاها آخر ولذلك قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ [النساء: ٥٦] فهذا مذهبهم في المعاد وهو بعينه مذهب الفلاسفة (١).ونقل البغدادي رسالة عبيد الله المهدي – أحد أئمة الإسماعيلية – إلى أحد أتباعه ودعاته ومما جاء في آخرها قوله: إن صاحبهم – أي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم – حرم عليهم – أي على المسلمين – الطيبات وخوفهم بغائب لا يعقل وهو الإله الذي يزعمونه وأخبرهم بكون ما لا يرو أنه أبدا من البعث من القبور والحساب والجنة والنار حتى استعبدهم بذلك عاجلا وجعلهم له في حياته ولذريته بعد وفاته خولا واستباح بذلك أموالهم بقوله قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى: ٢٣] فكان أمره معهم نقدا وأمرهم معه نسيئة وقد استعجل منهم بذل أرواحهم وأموالهم على انتظار موعود لا يكون وهل الجنة إلا هذه الدنيا ونعيمها؟ وهل النار وعذابها إلا ما فيه أصحاب الشرائع من التعب والنصب والصلاة والصيام والجهاد والحج (٢).وعبر الشهرستاني عن مراد الإسماعيلية بالقيامة الكبرى بأنه كمال النفس وبلوغها إلى درجة العقل عن طريق الحركات الفلكية والسنن الشرعية وإذا وصلت النفس إلى مرتبة العقل فعلا فهذا إيذان بانحلال تراكيب الأفلاك والعناصر والمركبات وانشقاق السماء وتناثر الكواكب وتبدل الأرض ..


(١) انظر ((فضائح الباطنية)) للغزالي (ص: ٤٤ - ٤٦).
(٢) ((الفرق بين الفرق)) للبغدادي (ص: ٢٨١ – ٢٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>