للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: حركة الحشاشين أو الدعوة الجديدة]

نجح التيار الإسماعيلي في إقامة دولة كبرى في المغرب، ولكن هذا النجاح لم يكن في واقع الأمر إلا من الناحية السياسية أما من الناحية العقائدية فقد فشل في نشر عقائده وتصوراته بين الناس فشلاً ذريعاً، لدرجة أن كل أثر عقائدي للإسماعيلية في المغرب قد اندرس وزال بزوال سيطرتهم السياسية على هذه الرقعة من بلاد الإسلام، على خلاف ذلك تماماً نجد أن التيار الإسماعيلي قد حقق في المشرق نجاحاً عقائدياً حيث أخفق سياسياً، لقد اندمج رجال التيار في كثير من الأحيان من الأنظمة القائمة وهادنوها خشية الملاحقة والمواجهة، وركزوا جل جهودهم في العمل الفكري،، حيث نجحوا في جذب عدد من العلماء والمفكرين، وصار لهم نفوذ قوي في عدد من المراكز العلمية وانتهى بهم الأمر بعد ذلك إلى أن سيطروا على الساحة الفكرية ردحاً طويلاً من الزمن. إن متطلبات الهيمنة الثقافية والحفاظ عليها قد جعلت دعاة الإسماعيلية يركزون على العمل الفكري بالدرجة الأولى وبالتالي نشر الفلسفة التي تؤسس أيديولوجيتهم السياسية والدينية، مما كان نتيجته قيام مدرسة فلسفية هرمسية (١) تخدم الحركة فكراً.

لقد اضطر الدعاة الإسماعيليون إلى التركيز على العمل الفكري بدل المغامرة بتنظيمات سياسية ستتعرض للمتابعة والملاحقة لا محالة، فاتجهوا إلى الأوساط العلمية ولم يترددوا في الانخراط في حاشية الحكام والسلاطين، وبفضل هذه الإستراتيجية الملتوية والقفز على الحبلين كونوا كياناً خاصاً بهم، وفلسفة خاصة أيضاً تضم أمشاجاً من الفيثاغورثية الجديدة والأفلاطونية المحدثة بالإضافة إلى عناصر من الفكر الإيراني الزرادشتي القديم. وقد كان الترويج لهذا الفكر على يد ثلاثة من كبار الفلاسفة الإسماعيليين (٢)، عاشوا أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الهجريين.

كان أولهم أبو عبدالله بن أحمد النسفي، تلميذ أحد كبار الفلاسفة الإسماعيليين في خراسان هو الأمير الحسين بن على المِرْوَزي.

تولى النسفي هذا أمور الدعوة إلى المذهب بعد وفاة شيخه الأمير، واستطاع أن يستميل أحد الأمراء السامانيين الذي اعترف بإمامة الفاطميين، وأصبح النسفي يحرك خيوط اللعبة ومن وراء ذلك دواليب الحكم في هذه المنطقة، لكن نشاطه لم يدم إلا فترة قصيرة، حيث قُبض عليه وصدر الحكم بقتله هو وكبار رجال الدعوة ومعتنقيها، فكانت محنة كبيرة نزلت بالحركة الإسماعيلية وأدّت إلى وقف نشاطها إلى أن أحياها الحسن بن الصباح من جديد.

أما على الصعيد الفكري فقد استمر نشاط الحركة، وإن كان قليلاً، وذلك من خلال مؤلفات النسفي ولا سيما كتابه (المحصول) الذي كان أول كتاب في التنظير العقائدي والبناء الفلسفي للمذهب الإسماعيلي.


(١) نسبة إلى هرمس كاهن مصر الأول وحاكمها، وهي فلسفة ترجع إلى القرن الرابع قبل الميلاد. وتعكس في مجموعها جواً من التلفيق والتوفيق بين المذاهب الفلسفية والدينية، اليونانية والشرقية المختلفة.
(٢) بالإضافة إلى تأثير رسائل إخوان الصفا التي كانت المرجع الفلسفي الأول للحركة الإسماعيلية. انظر ((حقيقة إخوان الصفا)) للملاح طباعة دار الفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>