للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب التاسع: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها]

لما كان متأخرو الأشعرية حاولوا استقصاء أدلة من سبقهم من نفاة الصفات الاختيارية القائمة بالله تعالى، جعل شيخ الإسلام ردوده منصبة على ما كتبه هؤلاء المتأخرون، مستخدما منهجه الفريد في المناقشة وهو ردود بعضهم على بعض، ثم إضافة ما يراه من أدلة أخرى تثبت بطلان مذهب النفاة.

ولما كان الآمدي والرازي هما أبرز المتأخرين الذين كتبوا كتبا مطولة في عقائد الأشاعرة، وصار من بعدهما يعتمد على أقوالهم – ذكر شيخ الإسلام – في مناقشة هذه المسألة – ما ذكره إبطالا لحجج من سبقهما، أو حججا جديدة أتوا بها.

ويلاحظ هنا أن هذه المسألة قد اتفق على نفيها متقدمو الأشعرية ومتأخروهم، ولكن لما أن المتأخرين أبطلوا أدلة المتقدمين وزيفوها أورد ذلك شيخ الإسلام، فيكون من باب رد المتأخرين على المتقدمين. كما أن شيخ الإسلام في مسألة العلو والاستواء والصفات الخبرية لما كان المتقدمون يثبتونها وينكرها المتأخرون، رد على هؤلاء المتأخرون بأقوال شيوخهم المتقدمين. عكس المسألة التي معنا.

ويمكن ذكر نماذج من ردود المتأخرين على نفاة حلول الحوادث. يقول شيخ الإسلام: "وفحول النظار كأبي عبدالله الرازي، وأبي الحسن الآمدي وغيرهما ذكروا حجج النفاة لحلول الحوادث وبينوا فسادها. فذكروا لهم أربع حجج.

إحداهما: الحجة المشهورة وهي: أنها لو قامت به لم يخل منها ومن أضدادها، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث. ومنعوا المقدمة الأولى. والمقدمة الثانية. ذكر الرازي وغيره فسادها" (١)، كما أن الآمدي قال: "وقد احتج أهل الحق على امتناع قيام الحوادث به بحجج ضعيفة: الأولى ... " (٢)، وذكر الحجة السابقة ثم زيفها وذكر الاعتراضات عليها، وانظر تعليقات شيخ الإسلام على كلام الآمدي (٣)، حيث قال في آخرها: "وهذه الحجة التي صدر بها الآمدي وزيفها هي الحجة التي اعتمد عليها الكلابية والأشعرية ومن وافقهم من السالمية ... " (٤).

الثانية:- من حجج النفاة – "أنه لو كان قابلا لها في الأزل لكان القبول من لوازم ذاته، فكان القبول يستدعي إمكان القبول، ووجود الحوادث في الأزل محال. وهذه أبطلوها هم بالمعارضة بالقدرة: بأنه قادر على إحداث الحوادث، والقدرة تستدعي إمكان المقدور، ووجود المقدور وهو الحوادث في الأزل محال" (٥).وقد أورد هذه الحجة الآمدي، وزيفها (٦)، وعلق على ذلك شيخ الإسلام (٧)، كما أوردها الرازي، ورد عليه الأرموي (٨)، كما نقضها شيخ الإسلام من وجوه (٩).


(١) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٤٧).
(٢) انظر: ((درء التعارض)) (٤/ ٢٧).
(٣) انظر: ((درء التعارض)) (٤/ ٢٧ - ٤٠).
(٤) انظر: ((درء التعارض)) (٤/ ٤٠)، وانظر أيضا: ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٣٨ - ٢٣٩).
(٥) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٤٧).
(٦) انظر: ((درء التعارض)) (٤/ ٦٢ - ٦٣).
(٧) انظر: ((درء التعارض)) (٦٣/ ٧١).
(٨) انظر: ((درء التعارض)) (٢/ ٢١٢ - ٢١٦) مع تعليق شيخ الإسلام.
(٩) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٤٧ - ٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>