للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثاني عشر: تعامل الباطنية النزارية (الحشاشين) مع الصليبيين كان أول ظهور الباطنية ببلاد الشام في مدينة حلب، التي كانت تحت حكم الملك السلجوقي رضوان بن تتش، حيث أقام الداعي الباطني الحكيم المنجم الذي أرسله الحسن بن الصباح من ألموت لنشر الدعوة في الشام واستطاع استمالة رضوان إلى الباطنية على أساس أن يستغل هذا شجاعة الباطنية في اغتيال خصومه السياسيين، فحفظ الملك رضوان جانبهم وشايعهم حتى أصبح لهم بحلب دار دعوة (١).لكن لم يلبث أن توفي الحكيم المنجم فتولى أمر الباطنية بعده في الشام رفيقه أبو طاهر الصائغ العجمي الذي سار على نفس الطريقة التي سارت عليها الباطنية في بلاد فارس، فاعتمد الاغتيال كوسيلة لتثبيت أقدامه في الشام وفرض سيطرته، فقام في عام ٤٩٨هـ باغتيال خلف بن ملاعب صاحب أفامية عن طريق أحد دعاته هناك، حيث تسلم أبو طاهر الصائغ الحصن عقب ذلك وأقام فيه (٢).بعد استفحال أمر الباطنية في حلب والشام، أرسل السلطان السلجوقي محمّد ابن ملكشاه إلى ألب أرسلان بن رضوان بن تتش -الذي تولى الحكم في حلب بعد وفاة أبيه- أن يفتك بالباطنية ويقتلهم، فقرر ألب أرسلان الإيقاع بهم والقضاء عليهم، فقبض على أبي طاهر الصائغ وقتله، وقتل إسماعيل الداعي وأخا الحكيم المنجم والأعيان من أصحاب هذا المذهب الباطني بحلب واستصفى أموالهم وتفرقوا في البلاد (٣).ظلّت الباطنية في الشام مختفية مغلوبة على أمرها، بسبب مطاردة الحكام والعامة لها، إلى أن جاءت سنة ٥٢٠هـ، حيث كان على زعامة الباطنية رجل يعرف باسم بهرام، فقال عنه ابن القلانسي: "وفي هذه السنة استفحل أمر بهرام داعي الباطنية وعظم خطبه في حلب والشام، وهو على غاية من الاستتار والاختفاء وتغيير الزي واللباس، بحيث يطوف البلاد والمعاقل ولا يعرف أحد شخصه" (٤).استقر المقام بداعي الباطنية بهرام في دمشق حيث أرسل نجم الدين اليغازي ابن أرتق صاحب الموصل إلى الأمير ظهير الدين أتابك دمشق خطابا يستأذنه في أن يقيم عنده بهرام حتى يؤمن شره وشر جماعته، فأذن له الأمير ظهير الدين بالمقام عنده في دمشق، وفي دمشق "وافق وزير الأمير ظهير الدين أبو عليّ طاهر ابن سعيد المزدقاني داعي الباطنية بهرام، وساعده على نشر مذهبه وبث أفكاره، فعظمت المصيبة بهم، وجلت المحنة بظهور أمرهم، وضاقت صدور الفقهاء والمتدينين والعلماء وأهل السنة، والمقدمين، وأحجم كل منهم عن الكلام فيهم، دفعا لشرهم وارتقابا لدائرة السوء عليهم، لأنهم شرعوا في قتل من يعاندهم، ومعاضدة من يؤازرهم على ضلالهم" (٥).لم يكتف بهرام بهذا، بل حن على ماضيه وماضي جماعته في سفك الدماء وقتل الأبرياء، فحدثته نفسه بقتل برق بن جندل أحد مقدمي وادي التيم لغير سبب، فخدعه إلى أن حصل في يده، فاعتقله وقتله صبرا، لكن أخاه ضحاكاً لم ينم على دم أخيه فجمع أتباعه وعقدوا العزم على الأخذ بثأر برق، فسار ضحاك مع أتباعه والتقى مع أصحاب بهرام ودارت بينهما معركة في وادي التيم أسفرت عن هزيمة أصحاب بهرام حيث قتل أكثرهم وسقط بهرام نفسه قتيلا في هذه المعركة" (٦).


(١) ابن العديم ((بغية الطلب في تاريخ حلب)) (ص١٤٠ - ١٤١)
(٢) المقريزي: ((اتعاظ الحنفا)) (٣/ ٣٦).
(٣) ابن القلانسي ((ذيل تاريخ دمشق)) (ص٣٠٢).
(٤) ابن القلانسي: ((ذيل تاريخ دمشق)) (ص٣٤٢).
(٥) ابن القلانسي: ((ذيل تاريخ دمشق)) (ص٣٤٣).
(٦) ابن القلانسي: ((ذيل تاريخ دمشق)) (ص٣٥٣) (بتصرف).

<<  <  ج: ص:  >  >>