للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السابع: المظهر السياسي للقرامطة]

لا بد لكل حركة من أن تأخذ شكلا سياسيا معينا تنادي به وتدعو إليه وقد اتخذت حركة القرامطة مبدأ التشيع راية لها كما اتخذت ذلك كل الثورات التي سبقتها والتي تلتها لأنها رأت في ذلك دعما كبيرا لها وجمهورا واسعا يسندها كما رأت قاعدة عامية تصدق كل دعي مجرد أن ينتمي إلى آل البيت وتؤمن بالخرافات والدجل وما التأييد الواسع إلا لـ:

١ـ أن المسلمين يتعاطفون مع الشيعة محبة لآل البيت حيث حمل الشيعة دعمهم وساروا وراء سادتهم ولم يكن الشيعة بعامة ولا سادة آل البيت بخاصة أصحاب أفكار تخالف الإسلام أو أهل آراء تباينه وذلك في أول الأمر ولكن الذي حصل فيما بعد إنما ابتدأ في القرن الهجري وكانوا من قبل كعامة المسلمين وكان وجهاء آل البيت أهل علم وفقه وفضل ومنهم الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحين بن علي بن أبي طالب الذي تتلمذ على يده كل من الإمام مالك والإمام أبي حنيفة – رحمهما الله – وتدعي أكثر الرافضة اليوم انتماء إلى الإمام جعفر زورا وكذبا وذلك لمعرفة فضله من قبل الناس كلهم والفرق جميعها. مع العلم أن القرابة لا تفيد شيئا وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود: ٤٥ - ٤٦]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ويا فاطمة بنت محمد خذي من مالي ما شئت فإني لا أغني عنك من الله شيئا)) (١).

٢ـ توالي النكبات على آل البيت على يد خصومهم السياسين فقد نكبوا بالحسين بن علي رضي الله عنهما عام إحدى وستين أيام يزيد بن معاوية ونكبوا بزيد بن علي زين العابدين بن الحسين أيام هشام بن عبد الملك عام ١١٢هـ ثم دارت الدائرة من بعده على ابنه يحيى عام ١٢٥هـ ثم فجعوا بـ (محمد بن عبدالله بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب) ذي النفس الزكية عام ١٤٥هـ أيام أبي جعفر المنصور وأصيبوا بأخيه إبراهيم الأمر الذي جعل ني يعطفون على آل البيت إذ إن النفس البشرية تميل إلى المنكوب ولو كان على خطأ إذ ينسى ما فعل وتبقى المصيبة تذكر وتتألم النفس البشرية.

٣ـ كون إمام الشيعة الثاني عشر المزعوم (محمد المهدي) قد اختفى عام ٢٦٥هـ حسبما أشاع (محمد بن نصير) (باب) الإمام الحادي عشر (الحسن العسكري) لما ادعى أنه سيخرج في آخر الزمان ليعيد العدل إلى الأرض بعد أن ملئت جورا وظلما وهكذا بقي الشيعة دون إمام وغدا كل امرئ يستطيع أن يدعي لنفسه الإمامة إذا رأى بمقدوره نجاح حركته وذلك بعد أن ينتسب إلى آل البيت وبخاصة من نسل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن الشعبة الثانية من الشيعة وهي التي تنتمي إلى (إسماعيل بن جعفر الصادق) قد كتمت أئمتها بعد أن خافوا على أنفسهم من السلطة وكان أولهم (محمد المكتوم بن إسماعيل) الأمر الذي جعل الكثيرين يستطيعون الادعاء أنهم يعملون لآل البيت دون ذكر الإمام وبالإضافة إلى ذلك قد جعل إمكانية ادعاء النسب إلى إسماعيل بالذات أو إلى هذا الإمام المكتوم أمرا طبيعيا وفي هذه المدة دخلت إلى الشيعة أفكار غريبة من آراء الفلاسفة وعقائد المجوس والهندوك وغيرهم واتخذت الباطنية مبدأ لها.


(١) بهذا اللفظ غير وارد، لكن ورد بلفظ مقارب رواه البخاري (٢٧٥٣) ومسلم (٢٠٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>