للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: مراسيم وطقوس الدخول في عقيدة النصيرية]

ولما كانت العقيدة النصيرية من أردأ المذاهب وأشدها توغلاً في الباطل، لم يأنسوا من إظهار مذهبهم صراحة حتى من بعضهم لبعض إلا بعد تعقيدات واختبارات شديدة يذلل من خلالها ويتجرع أشد أنواع الإذلال والإهانة.

إذ يتم دخوله في المذهب بطريقة فاحشة يتم من خلالها القضاء على كل عرق ينبض بالرجولة والشهامة فيه، وتداس كرامته وينتهك عرضه.

فحينما يحضر التلميذ يختار الشيخ الذي سيلازمه من بين مجموعة المشايخ الموجودين ويسمونه الوالد الروحي أو الوالد الديني، ثم يغرسون في نفس التلميذ تقديس شيخه والتواضع له تواضعاً مطلقاً أشبه ما يكون بالقاعدة الصوفية، (كالميت بين يدي الغاسل).

ومن الطرق التي يتوسلون بها إلى إذلال الشخص، أنه حينما يدخل يقف في ناحية وهو ساكت لا يتكلم بشيء وأحذية المشايخ مرفوعة فوق رأسه، ثم يتكلم شيخه لبقية المشايخ ويتوسل إليهم أن يقبلوا هذا الشخص الماثل أمامهم ويدخلوه في زمرتهم، فإذا قبله المشايخ أنزلت الأحذية من فوق رأسه، ثم يأخذ في تقبيل أيدي وأرجل الحاضرين من المشايخ.

ثم يقف في مكانه ويوضع على رأسه خرقة بيضاء، ثم يأخذ الشيخ في قراءة العقد الذي سيتم بين التلميذ وبين المشايخ، وهو أشبه ما يكون بعقد الزواج، ويعتبرون هذا بمثابة الخطبة، ويعتبرون الكلام الذي يسمعه بمثابة النكاح، وما يتحمله من العلم عنهم بمثابة الحمل، فإذا علم وأراد التعليم فإن ذلك يكون بمثابة الوضع. وبعد أن تتم هذه المرحلة يقال للتلميذ: يجب عليك أن تكرر في اليوم خمسمائة مرة بحق ع. م. س لمدة يحددونها، ثم بعد ذلك يأتي إليهم ليتم تعليمه المذهب بعد اختبارات قاسية يرضى فيها بكل شيء حتى ولو بإهدار رجولته (١)،.

وفيما يلي نشير إلى أهم الشروط في تعليم المذهب النصيري: يشترطون في من يلقى إليه تعليم المذهب أن يجتاز سن التاسعة عشرة (٢)،.

أن يمر بالمراحل الآتية على التدريج:

المرحلة الأولى: وتسمى مرحلة الجهل. وفيها يهيئون من يقع عليه الاختيار من أبناء الطائفة لقبول وحمل أسرار المذهب.

مرحلة التعليق: وفي هذه المرحلة يلقنونه شيئاً من تعاليم المذهب، ويبقى مدة سنة إلى سنتين تحت إشراف شيخ من شيوخ الطائفة ليطلعه على شيء من أسرار المذهب بالتدريج، فإذا توسموا فيه القبول والنجابة نقلوه إلى المرحلة الثالثة الآتية وإلا طردوه.

مرحلة السماع: وهي الدرجة العليا، ويطلعونه فيها على أكثر أصول المذهب النصيري، ثم يعقد الرؤساء الروحيون للطائفة مجمعاً خاصاً لتلقينه بقية أسرار المذهب، ثم ينقلونه إلى درجة أعلى يطلقون عليه درجة الشيخ أو صاحب العهد. ويتم ذلك بحضور الكفلاء، والشهود يشهدون باستعداد الرجل لقبول السر ومحافظته عليه، ثم يحلف اليمين المقررة عندهم أن يحافظ على السر ولو أريق دمه. وبعد حصوله على هذه الدرجة يصبح شيخاً من شيوخ الطائفة (٣)،.

ومما يجدر التنبيه إليه أن التلميذ دائماً وهو بين أيدي المشايخ لا يلقى إليه شيء من تعاليم المذهب الملتوية إلا في غياب عقله وتفكيره عنه؛ ليقبل تلك العقائد التي تشمئز منها النفس ويمجها العقل وتأنف منها الفطرة السليمة، فعبد النور تسمية الخمر عندهم في يد الساقي وهالة من الموقف، وتهديدات من هنا ومن هناك، وكل هذه الأهوال يعيشها الشخص حتى تستكمل إجراءات تفهيمه المذهب في جو غير طبيعي.


(١) انظر: ((الحركات الباطنية في العالم الإسلامي)) (ص٣٧٤ - ٣٧٥).
(٢) ((العلويون أو النصيرية)) (ص٥٧) نقلاً عن ((دائرة القرن العشرين)) مادة (نصر).
(٣) ((طائفة النصيرية)) (ص٤٥ ٤٦). وانظر: ((العلويون)) (ص٥٧) نقلاً عن ((دائرة معارف القرن العشرين)) مادة (نصر).

<<  <  ج: ص:  >  >>