للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثامن عشر: مقارنة بين عقائد الإسماعيليين والدروز والنصيرية]

من خلال الاستعراض السابق الذي استكملنا فيه دراسة عقائد وأفكار الحركات الباطنية المتواجدة في العالم الإسلامي يمكننا أن نرى كثيرا من أوجه الشبه أو الاختلافات بين عقائد هذه الحركات.

إلا أنه في الوقت نفسه يجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن الحركة الإسماعيلية كانت المغذي الرئيسي لكثير من هذه الحركات, ولن نتعدى الصواب إذا قلنا: إن الأفكار الرئيسية الموجودة في عقائد الإسماعيلية لا تختلف إلا في بعض التفاصيل عن عقائد الفرق الأخرى.

فكافة هذه الفرق اتخذت من الفلسفات الوثنية من إغريقية وإسكندرانية أداة لها في إثبات صحة مزاعمها, وبالتالي في تشكيك الناس بدينهم وعقيدتهم.

وينبغي أن نلاحظ أن أتباع كل فرقة من هذه الفرق يعتبرون أنفسهم هم (الموحدون) أما غيرهم - على حسب زعمهم- فالمسافة شاسعة بينهم وبين التوحيد, لذلك فالدروز يطلقون على مذهبهم (مسلك التوحيد) باعتبار أنهم وحدهم سلكوا هذا المسلك؟!

ومن الأمثلة الواضحة على أن الإسماعيلية كانت الرائدة في فلسفة كافة الفرق, نظرية الفيض الأفلاطونية فقد كانت الإسماعيلية أول من حاول فرض هذه النظرية على العقائد الإسلامية, لذا أصبحت علما في هذا الاتجاه.

وإذا تتبعنا أوجه الاتفاق بين الفرق الباطنية, فإننا نرى أن نظرتهم للألوهية والتوحيد متشابهة رغم بعض الاختلافات في الأسماء والمسميات وذلك لانبثاقها عن نظرية الفيض فالإسماعيلية - حسب زعمها- ترى أن الخالق الحقيقي للكون هما (العقل الكلي والنفس الكلية) وأنهما من جملة الحدود في العالم العلوي وهذان الحدان يقابلهما - على حسب قاعدة المثل والمثول- في العالم السفلي حد النبي وحد الإمام أو الوصي, لذا فإن كل الألقاب التي تطلق على الله تطلق أيضا على الوصي والإمام بصفتهما ممثلا العقل الكلي. وهذه القاعدة تقول بها جميع الفرق الإسماعيلية الأخرى على اختلاف أسمائها.

ولكن الدروز رغم انشقاقهم عن الإسماعيلية, وأخذهم الكثير من عقائدها, إلا أنهم رفضوا نظرية المثل والمثول التي تقول بها الإسماعيلية وقرروا أن الحدود العلوية الموجودة في العالم العلوي هي ذاتها الموجودة في العالم السفلي ولا اختلاف بينها, وبما أن الدروز انشقوا عن الإسماعيلية لاظهارهم - الزعم - بألوهية الإمام الإسماعيلي (وهي العقيدة التي حاولت الإسماعيلية إخفاءها خوفا وتقية) فقد أعلنوا جوهر هذه العقيدة وهي: أن الله يتخذ على مر العصور والأزمان حجابا أو صورة ناسوتية يتجلى فيها لخلقه- تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - وأن الحجاب الأخير الذي ظهر فيه كان بصورة الحاكم بأمر الله العبيدي وبذلك أظهروا عقيدة كانت الإسماعيلية تخفيها ولا تعلنها.

وفي الوقت نفسه أخذوا عن الإسماعيلية نظرية العقول السبعة وطبقوها على ظهورات الله بالصورة الناسوتية, وزعموا أن عدد هذه الظهورات كانت سبعا آخرها الحاكم.

أما النصيرية, فتعتبر أن الذات الإلهية متشخصة بالمعنى وهو (علي ابن أبي طالب) - تعالى الله عن ذلك - ولكنها في الوقت نفسه لم تتجاهل نظرية الفيض التي قالت بها الإسماعيلية والدروز, فزعمت أن العقل الكلي هو (الميم) أي محمد صلى الله عليه وسلم, وأن النفس الكلية هو (السين) أي سلمان الفارسي, وهو حسب زعمهم الذي خلق السماوات والأرض والأيتام الخمسة كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>