للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويلزمون شرائع الإسلام حتى يظهر ما يفعلونه من خير أو شر ومن كان من أئمة ضلالهم وأظهر التوبة أخرج عنهم وسير إلى بلاد المسلمين التي ليس لهم فيها ظهور. فإما أن يهديه الله تعالى وإما أن يموت على نفاقه من غير مضرة للمسلمين. ولا ريب أن جهاد هؤلاء وإقامة الحدود عليهم من أعظم الطاعات وأكبر الواجبات وهو أفضل من جهاد من لا يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب؛ فإن جهاد هؤلاء من جنس جهاد المرتدين والصديق وسائر الصحابة بدءوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب؛ فإن جهاد هؤلاء حفظ لما فتح من بلاد المسلمين وأن يدخل فيه من أراد الخروج عنه. وجهاد من لم يقاتلنا من المشركين وأهل الكتاب من زيادة إظهار الدين. وحفظ رأس المال مقدم على الربح. وأيضا فضرر هؤلاء على المسلمين أعظم من ضرر أولئك؛ بل ضرر هؤلاء من جنس ضرر من يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب وضررهم في الدين على كثير من الناس أشد من ضرر المحاربين من المشركين وأهل الكتاب. ويجب على كل مسلم أن يقوم في ذلك بحسب ما يقدر عليه من الواجب فلا يحل لأحد أن يكتم ما يعرفه من أخبارهم؛ بل يفشيها ويظهرها ليعرف المسلمون حقيقة حالهم ولا يحل لأحد أن يعاونهم على بقائهم في الجند والمستخدمين ولا يحل لأحد السكوت عن القيام عليهم بما أمر الله به ورسوله. ولا يحل لأحد أن ينهى عن القيام بما أمر الله به ورسوله؛ فإن هذا من أعظم أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله تعالى؛ وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة:٧٣] وهؤلاء لا يخرجون عن الكفار والمنافقين. والمعاون على كف شرهم وهدايتهم بحسب الإمكان له من الأجر والثواب ما لا يعلمه إلا الله تعالى؛ فإن المقصود بالقصد الأول هو هدايتهم؛ كما قال الله تعالى كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [عمران:١١٠] قال أبو هريرة كنتم خير الناس للناس تأتون بهم في القيود والسلاسل حتى تدخلوهم الإسلام. فالمقصود بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هداية العباد لمصالح المعاش والمعاد بحسب الإمكان فمن هداه الله سعد في الدنيا والآخرة ومن لم يهتد كف الله ضرره عن غيره. ومعلوم أن الجهاد والأمر بالمعروف. والنهي عن المنكر: هو أفضل الأعمال كما قال صلى الله عليه وسلم ((رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله تعالى)) (١) وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن في الجنة لمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله)) (٢) وقال صلى الله عليه وسلم ((رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه)) (٣) ومن مات مرابطا مات مجاهدا وجرى عليه عمله وأجري عليه رزقه من الجنة وأمن الفتنة. والجهاد أفضل من الحج والعمرة كما قال تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التوبة:١٩ - ٢٢]. والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وسئل - رحمه الله تعالى -:

عن " الدرزية " و " النصيرية ": ما حكمهم؟

فأجاب:

هؤلاء " الدرزية " و " النصيرية " كفار باتفاق المسلمين لا يحل أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم؛ بل ولا يقرون بالجزية؛ فإنهم مرتدون عن دين الإسلام ليسوا مسلمين؛ ولا يهود ولا نصارى لا يقرون بوجوب الصلوات الخمس ولا وجوب صوم رمضان ولا وجوب الحج؛ ولا تحريم ما حرم الله ورسوله من الميتة والخمر وغيرهما. وإن أظهروا الشهادتين مع هذه العقائد فهم كفار باتفاق المسلمين. فأما " النصيرية " فهم أتباع أبي شعيب محمد بن نصير وكان من الغلاة الذين يقولون: إن عليا إله وهم ينشدون:

أشهد أن لا إله إلا حيدرة الأنزع البطين

ولا حجاب عليه إلا محمد الصادق الأمين

ولا طريق إليه إلا سلمان ذو القوة المتين

المصدر:مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية - ٣٥/ ١٤٥


(١) رواه الترمذي (٢٦١٦) وابن ماجه (٣٩٧٣) وأحمد (٥/ ٢٣١) (٢٢٠٦٩) وقال الترمذي حسن صحيح، وكذلك صححه الألباني
(٢) رواه البخاري (٢٧٩٠)
(٣) رواه مسلم (١٩١٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>