للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: إبطال قولهم بالتناسخ والرجعة]

وهو قولهم: بأن الجسد قميص للروح، فعندما يموت الجسم، تنتقل إلى جسم آخر، باعتبار أن الروح لديهم لا تموت، بل يموت قميصها الجسم ويصيبه البلى. وتصور التناسخ بهذا الشكل، من الأوهام التي جاءت من قدماء اليونانيين، (والتي كان يعتقد بها الفراعنة، وظهرت في زمن فرعون الذي كان فيه موسى عليه الصلاة والسلام) (١)، (وهي العقيدة التي نجدها أيضًا في إنجيل بوذا) (٢).

ودليل بطلان هذا الاعتقاد يثبت بالشرع والعقل والحس المشاهد:

وأما ما ثبت بالشرع فقد ورد به القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، فما جاء عن سؤال الملكين، وعذاب القبر، يدل بوضوح على بطلان ما يتوهم به البعض من أن الأرواح تظل متنقلة بين الأجساد، كلما انتسخ وجود واحدة منها في جسدها التي هي فيه، انتقلت منه إلى جسد آخر، وهكذا دواليك.

(فالله سبحانه وتعالى يرسل ملكين إلى الإِنسان عقب وفاته، يسألانه عن دينه الذي عاش عليه، وعما علمه من أمر محمد صلى الله عليه وسلم، فإما أن يتعرض إلى لون العذاب، أو لون النعيم، ولقد ثبت الخبر المتواتر من الكتاب والسنة عن سؤال القبر وعذابه، وأنهما واردان على روح الميت بيقين، إذ لا يتصور بدون ذلك خطاب ولا نعيم أو عذاب، إذا فالروح مشغولة بصاحبها محبوسة له أو عليه. كما قال الله عز وجل: كل نفس بما كسبت رهينة [المدثر: ٣٨]، ولا يمكن أن تتصرف مولية عنه لتسكن جسدًا آخر تستقبل فيه سلوكًا جديدًا ووجودًا آخر) (٣).

قال تعالى مخبرا عن حياة البرزخ – هذه – فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيم ٍ [الواقعة: ٨٣ - ٩٤]. وقوله وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق: ١٩] أي جاءت بما بعد الموت من ثواب وعقاب، وهو الحق الذي أخبرت به الرسل. وقوله: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: ٩٩]، واليقين ما بعد الموت، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((أما عثمان بن مظعون فقد جاءه اليقين من ربه)) (٤).وذكر تعالى عذاب القيامة والبرزخ معا في ذكره قصة آل فرعون فقال: وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: ٤٥ - ٤٦]. وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى المشركين يوم بدر في القليب ناداهم: ((يا فلان، يا فلان، هل وجدتم ما وعد ربكم حقا، فقد وجدت ما وعدني ربي حقًا)) (٥).


(١) ابن الجوزي: ((تلبيس إبليس))، (ص ٨٠).
(٢) محمد علي الزغبي وعلي زيغور: ((البوذية وتأثيرها في الفكر والفرق الإِسلامية المتطرفة))، (ص ١٤٨).
(٣) د. محمد سعيد رمضان البوطي: ((كبرى اليقينيات الكونية))، (ص ٢٩٦).
(٤) رواه البخاري (١٢٤٣) بلفظ (أما هو فقد جاءه اليقين)
(٥) رواه البخاري (١٣٧٠) ومسلم (٢٨٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>