للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الأول: نقضهم أركان الإِسلام، وفرضهم بدلها سبع دعائم تكليفية

إن أول ما بدأه دعاة الدروز بعد إعلان ألوهية الحاكم، هو نقض الشريعة الإِسلامية وأركانها حتى يتسنى لهم أن يأتوا بشريعة تخالف وتنسخ شريعة الإِسلام، ففي رسالة (الجزء الأول من السبعة أجزاء) توضيح لذلك إذ تقول:

اعلموا معاشر الموحدين لمولانا الحاكم، المقرين بإمامة عبده القائم، أنه لما غابت صورة المعبود وامتنع قائم الزمان عن الوجود، أيست كثير من النفوس عند غياب العيان المحسوس وتشاجروا في الحلال والحرام، وقالوا: هل فرض الباري سبحانه على لسان الإِمام فرائض يتمسك بها الأنام، وقال بعضهم: لابد للأمة من فرائض تضبطها عن الأهواء المحلومة من خوف أن تربطها، ولو لم يكن ذلك لزال الحفاظ. فلما رأيت ذلك وما قد وقع في نفوسهم من اليأس ... فتأملت كتابا وصلني من حضرة مولاي قائم الزمان عليه من معبوده أفضل التحية والسلام، يرسم لي فيه وضع الكتب وقراءتها على أهل البصائر ... ويأمرني بإيضاح ما أشكل على الطائفة من العلوم، واشتهار ما علمته من الفرائض والرسوم، فوضعت هذا الكتاب وهو الجزء الأول من السبعة أجزاء تشتمل على فرائض فرضها مولانا سبحانه ذو المنة والإِحسان، ونطق بها عبده قائم الزمان، تتلوا بعضها بعضا) (١). (فمسلك التوحيد في اعتقادهم تجاوز الدعائم الإِسلامية من حيث معناها المادي الظاهر، ليسموا بها إلى معانيها ومقاصدها الحقيقية) (٢).

ولهذا فقد اتخذ له فرائض توحيدية وردت في (رسالة ميثاق النساء) حيث تقول: (ويجب على سائر الموحدات أن يعلمن أن أول المفترضات عليهن معرفة مولانا جل ذكره وتنزيهه عن جميع المخلوقات ثم معرفة قائم الزمان وتمييزه عن سائر الحدود الروحانيين، ثم معرفة الحدود الروحانيين بأسمائهم ومراتبهم وألقابهم ... فإذا علمن ذلك وجب أن يعلمن أن مولانا جل ذكره قد أسقط عنهن السبع دعائم التكليفية الناموسية، وفرض عليهن سبع خصال توحيدية دينية، أولها وأعظمها: سدق اللسان، وثانيها: حفظ الإِخوان، وترك ما كنتم عليه وتعتقدوه من عبادة العدم والبهتان، ثم البراءة من الأبالسة والطغيان، ثم التوحيد لمولانا جل ذكره في كل عصر وزمان ودهر وأوان، ثم الرضى بفعله كيف ما كان، ثم التسليم لأمره في السر والحدثان. فيجب على سائر الموحدين والموحدات حفظ هذه السبع خصال والعمل بها وسترها عمن لم يكن من أهلها) (٣).

ونفهم من هذه الرسالة أن المولى قد أسقط عنهم سبع دعائم تكليفية ناموسية، وفرض عليهم سبع خصال توحيدية هي:

١ – أولها وأعظمها: سدق اللسان – ونلاحظ دائمًا أن الدروز لا ينطقون كلمة الصدق بالصاد، إنما ينطقونها ويكتبونها بالسين، وسبب ذلك هو حساب الجمل، فالسين تساوي ستين، والدال تساوي أربعة، والقاف مائة، فيكون المجموع مائة وأربعة وستين هم عدد حدود الدروز، ذلك أن حد الإِمامة تسعة وتسعون (أي أسماء الله الحسنى)، أي أن للإِمام تسعة وتسعين داعيًا، ولكل من الجناح الأيمن والجناح الأيسر ثلاثون داعيًا مجموعهم ستون داعيًا. يضاف إلى ذلك أربعة حدود علوية، فالمجموع الكلي مائة وثلاثة وستون حدا، يبقى بعد ذلك حد، وهو قائم الزمان حمزة بن علي، ومن هنا نطقوا كلمة صدق ومشتقاتها وكتبوها بالسين حتى تتفق مع حروف الجمل على هذا النحو.

٢ – حفظ الأخوان: هذا لا يعني الأخوة الإِنسانية بل تعني بالأخ من شاطرها هذه الخصال.

٣ – ترك ما كان عليه الموحدون وما اعتقدوه من عبادة العدم والبهتان: أي أن كل عبادة تقدم لسوى الحاكم لا تصادف إلا عدما.


(١) الجزء الأول من السبعة أجزاء.
(٢) د. سامي مكارم: ((أضواء على مسلك التوحيد))، (ص ١١٢).
(٣) رسالة ((ميثاق النساء)).

<<  <  ج: ص:  >  >>