للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: موقفهم من النصارى]

موقف الدروز من النصارى تحدده أربع رسائل هي:

١ – رسالة خبر اليهود والنصارى.

٢ – الرسالة الموسومة بالمسيحية، وأم القلائد النسكية، وقامعة العقائد الشركية.

٣ – الرسالة الموسومة بالقسطنطينية، المنفذة إلى قسطنطين متملك النصرانية.

٤ – الرسالة الموسومة بالتعقب والاقتفاء لآداء ما بقي علينا من هدم شريعة النصارى الفسقة الأضداد.

الرسالة الأولى تذكر أن بعض أهل الذمة، وقفوا بين يدي الحاكم وهو بالقرافة (مقبرة القاهرة)، وقالوا أنهم يهود ونصارى ويريدون أن يسألوه عن مسائل في الدين، ولكنهم خائفون منه، فأمنهم.

ويبدو أن هذه المقابلة لم تحدث مطلقًا، وإنما هي تلفيق، وكتبت حتى تثبت أن ظهور الحاكم وحمزة كان ينتظره اليهود والنصارى.

ويضيف مؤلف هذه الرسالة قوله: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أتاه رؤساء شريعة اليهود والنصارى، فطلب منهم أن يؤمنوا بشريعته، فقالوا له: ما أنت الذي كنا منتظرين لزمانه متوقعين شخصه، ولا الذي نرجو الفرج مع ظهوره. والدليل على ذلك ثلاث خصال: إحداها: ليس اسمه كاسمك، إذ اسمك محمد، والذي بشرنا به اسمه أحمد.

والثانية: مدته، قد بقي لها أربعمائة سنة من يوم مبعثك إلى حين ظهور هذا المنظر، وقد خالفته في الاسم والمدة.

والثالثة: المنتظر إنما يدعو إلى توحيد ربه، بلا تعطيل ولا تشبيه ولا كلفة تلحق نفوسنا، وصفة المنتظر عندنا رفع التكليفيات، وانقضاء الشرور، ورفع المصائب والشكوك، وأن لا يتجاوزه في عصره كافر ولا منافق، وأنت أكثر أصحابك يظهرون النفاق عليك، وإنما بغلبة سيفك عليهم سلموا لأمرك.

وتنتهي الرسالة إلى ما كانت تبغيه إذ تقول على لسان الحاكم: (فأي حجة بقيت لكم عليه وعلي بعدما أوضحناه، وأي أمر تعديت فيه، بزعمكم عليكم إذا كنت بشرطكم أخذتكم، وما كنتم تنتظرونه أقمته عليكم، وقد أسعتكم حلما وعدلا؟).

إذن ها هي المدة قد انقضت (أي الأربعمائة سنة)، وظهر الإِله المعبود، قائم الزمان الذي يدعي إليه، فعليكم الإِيمان به وتصديقه؟

وقد كذب الدكتور عبد الرحمن بدوي هذه الرواية التاريخية، إذ لم يثبت في أي من كتب التاريخ والسيرة أن قامت مناقشات بين النبي صلى الله عليه وسلم، وبين اليهود والنصارى، إلا ما جرى مع وفد نجران سنة ١٠ هـ ويؤكد ذلك كما قال الدكتور بدوي ثلاث حجج:

١ – فالحجة الأولى، وهي الخاصة باسم – أحمد – ساذجة لا يعتقد صدورها عن النصارى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذ أحمد ومحمد واحد.

٢ – والثانية غير معقولة أصلا، بسبب ما فيها من تحديد سنوات لا ينطبق إلا على الحاكم بأمر الله. ٣ – والثالثة باطلة، لأن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم تؤكد أنه أحل الطيبات وحرم الخبائث، ووضع الإصر والأغلال عن أتباعه (١).

أما الرسالة الثانية: (الموسومة بالمسيحية) فهي تقريع بأقسى الألفاظ وأفحشها بالمسيحيين؛ لأنهم لا يعملون بوصية المسيح، ولا يحذرون من المسيح الضال الكذوب، ولا يقرون بالمسيح الحق الذي ظهرت علاماته في جميع أنحاء العالم.


(١) د. عبد الرحمن بدوي: ((مذاهب الإسلاميين))، (٢/ ٧٧٢ – ٧٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>