للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: موقفهم من النصيرية]

طائفة الدروز تعيش في مناطق قريبة لمناطق تواجد طائفته النصيرية، ومن الطبيعي أن يقوم النزاع بينهما، وخاصة بسبب الاختلاف الرئيسي في العقيدة، فالدروز يؤلهون الحاكم بأمر الله، بينما النصيرية يؤلهون علي بن أبي طالب.

ومع أن الخلاف قد اشتد بين الطائفتين في بعض الأحيان، فإنه لم يصل إلى أيدينا شيء عن هذا، غير رسالة ألفها حمزة بن علي يرد فيها على عقائد النصيرية لعنه المولى في كل كور ودور).

وواضح مما ورد في هذه الرسالة أن حمزة كان يردّ على كتاب أَلَّفه النصيري اسمه (كتاب الحقائق وكشف المحجوب) والموجه ضد ديانة الدروز، والذي يحاول فيه النصيري أن يقرب بين الدروز والنصيرية، مستعينا بما كتبه حمزة لإثبات أن مذهب الدروز هو بعينه مذهب النصيرية، مما أغضب حمزة وجعله يقول في الرسالة: (إن من قبل كتابه عبد إبليس، واعتقد التناسخ (١)، وحلل الفروج، واستحل الكذب والبهتان ... وحاشا دين مولانا جل وعز من المنكرات، وحاشا الموحدين من الفاحشات)).

ويأتي حمزة بعد ذلك على الأقوال والعقائد التي يقول بها النصيري ويرد عليها، وأول العقائد التي يرد بها حمزة على النصيري: (أن جميع ما حرموه من القتل والسرقة والكذب والبهتان والزنا واللياطة فهو مطلق للعارف والعارفة بمولانا جل ذكره) ويرد حمزة على هذا فيقول أنه (كذب بالتنزيل والتأويل).

وأما قوله – أي النصيري -: أنه يجب على المؤمن ألا يمانع أخاه من ماله ولا جاهه، وأن يظهر لأخيه المؤمن عياله ولا يعترض عليهم فيما يجري بينهم، وإلا فما يتم إيمانه). فيرد عليه حمزة بقوله: (فقد كذب لعنه الله وسرق الأول من مجالس الحكمة (٢) بقوله: لا يمنع أخاه من ماله ولا من جاهه ... وإلا فمن لا يغار على عياله فليس بمؤمن، بل هو خرمي طالب الراحة والإباحة ... إذ كان الجماع ليس هو من الدين ولا ينتسب إلى التوحيد، إلا أن يكون جماع الحقيقة، وهو المفاتحة بالحكمة بعد أن يكون مطلقا للكلام).

وأما قوله – أي النصيري -: بأنه يجب على المؤمنة ألا تمنع أخاها فرجها، وأن تبذل فرجها له مباحا حيث شاء، وأن لا يتم نكاح الباطن إلا بنكاح الظاهر، ونسبه إلى توحيد مولانا جل ذكره، فقد كذب على مولانا عز اسمه، وأشرك به، وألحد فيه ... وأما وسائط مولانا جل ذكره، فما منهم أحد طلب من النساء مناكحة الظاهر، ولا ذكر بأنه لا يتم لكن ما تسمعنه إلا بملامسة الظاهر، فعلمنا بأنه لم يكن لهذا الفاسق النصيري لا ينفسد أبدا، لكنه طلب الشهوة البهيمية التي لا ينتفع بها في الدين ولا الدنيا).

وأما قوله: الويل كل الويل على مؤمنة تمنع أخاها فرجها، لأن الفرج مثل أئمة الكفر، والإحليل إذا دخل فرج المرأة دليل على الباطن، وممثوله على مكاسرة أهل الظاهر وأئمة الكفر ... ومن عرف الباطن فقد رفع عنه الظاهر، فقد كذب على دين مولانا وحرف وأغوى المؤمنين وأفسد المؤمنات الصالحات، وليس كل من عرف باطن الشيء وجب عليه ترك ظاهره، وكل رجل ينكح امرأة مؤمنة بغير الشروط التي تجب عليه في الحقيقة والشريعة الروحانية كان منافقا على مولانا جل ذكره، إذ كان فيه هتك الدين وهدم التوحيد، ومن كانت لها بعل فلا شروط لها إلا لبعلها).


(١) وهذا خلاف في اللفظ، فالدروز يؤمنون بالتناسخ ولكن على طريقة التقمص، أي بانتقال النفس إلى جسد آدمي مثله تتقمصه، ولذلك هم ينكرون التناسخ التي تعتقد به النصيرية، وهو بإمكانية انتقال روح الآدمي إلى حيوان أو نبات، ولهذا يسمى التناسخ عندهم التقمص.
(٢) يقصد مجالس الحكمة التي كان يعقدها الخلفاء الفاطميون، والتي قيل فيها هذا القول.

<<  <  ج: ص:  >  >>