للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: وحدة الأوطان]

أما دعوتهم هذه إلى وحدة الاوطان فمعناها أن العالم يجب أن ينتمي كله إلى وطن واحد، وأن ينتمي إلى جزء من الأرض متعصب رديء صاحب خرافة ووهم، لأن الشريعة البهائية قد طلبت أن تكون الأرض وطناً واحداً لجميع العالم، ويجب أن تنمحي الحدود بين البلدان ودون النظر إلى أي اعتبار، وأن يتعايش الناس فيها دون النظر إلى أي اعتبار سياسي أو اجتماعي.

فيجب على كل شخص أن يحب الأرض كلها ولا يفضل وطناً على آخر؛ فالعالم وطن واحد لكي يلتقي الناس على الحب والولاء المشترك، ولكن لمن سيكون هذا الولاء المشترك؟ إنه بدون أي تفكير سيكون للبهاء وأتباعه، ومن هنا أخذوا يقررون القول بوحدة الأوطان ويذمون كل من يحاول أن يذكر مفهوماً غير هذا. قال أسلمنت: (ومن التعصبات الرديئة التي تلحق بالتعصب الجنسي، التعصب السياسي أو الوطني، فقد حان الوقت لأن تندمج الوطنية الضعيفة ضمن الوطنية العمومية الكبرى التي يكون فيها الوطن عبارة عن العالم بأجمعه، فيقول بهاء الله: قد قيل في السابق: (حب الوطن من الإيمان) (١)، وأما في هذا اليوم فلسان العظمة ينطق ويقول: (ليس الفخر لمن يحب الوطن؛ بل لمن يحب العالم) (٢)، ويقول عباس أفندي: (ومنذ الابتداء لم تكن هناك حدود بين البلدان المختلفة فلا يوجد جزء مملوك لقوم دون غيرهم) (٣).

والواقع أن هذه الدعوى يدل ظاهرها على أنها من الأمور التي يتمناها كل إنسان في هذه الأرض المملوءة بالشرور والظلم، والدعوة إلى تحقيقها من الأمور التي تلفت النظر بشدة، إذ إن لها لمعاناً وبريقاً يخطف الأبصار.

والمشكلة لا تكمن في مجرد الدعوى إلى استنباط هذه الفكرة، فهي سهلة جداً ولا يجهلها أحد مهما كان مستواه الثقافي، بعكس ما يظن البهائيون أنهم هم الذين اخترعوا الدعوة إليها، نعم، إن المشكلة لا تكمن في مجرد استنباطها، وإنما تكمن المعضلة في كيفية تحقيقها والأسلوب الذي يبذل ليقنع الناس بها، فهل وفق البهائيون إلى ذلك؟ إن الجواب غير خاف على أحد، فهو يحتل أكبر صيغ النفي: لم يقدم البهائيون من الحلول إلا الدعوة إلى احترام أرض الطاء وإلقاء السلاح، لئلا يخيفوا به الطامعين في الاستيلاء على ديار المسلمين في أرض الخاء التي يناديها المازندراني في كتابه (الأقدس) (يا أرض الخاء) (٤)، أي أرض الخراب يقصد فلسطين التي عاش فيها عيشة الملوك.

لم يقدم المازندراني ولا أتباعه ما ينفع الناس بترك الانتساب إلى أوطانهم والالتفاف حول الوطن الذي يختاره لهم المازندراني؛ لأن صاحب هذه الدعوة هو نفسه في أوائل من ينادي بالوطنية، وذلك في إظهاره التلهف على أرض الطاء طهران إيران، ونظرته المتعالية المترفعة على الأرض التي آوته إليها يد الغدر والعدوان، الأرض التي عاش فيها عيشة الملوك، ومع ذلك فهو يسميها أرض الخاء، وكان ينبغي أن يكون هو القدوة فلا يناقض نفسه بنفسه.


(١) أورده الصغاني في ((الموضوعات)) (ص: ٧) وقال السخاوي لم أقف عليه، وقال الألباني موضوع.
(٢) ((بهاء الله والعصر الجديد)) (ص: ١٦١)، نقلاً عن ((البهائية نقد وتحليل)) (ص: ١١٤).
(٣) محادثات لعبد البهاء، انظر: ((البهائية)) (ص: ١١٤).
(٤) ((الأقدس)) (ص: ١٦٣)، ضمن ((خفايا البهائية)).

<<  <  ج: ص:  >  >>