للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند الكلابية والأشعرية]

الكلابية هم أسلاف الأشعرية؛ فالأشعرية تبعوا أبا الحسن الأشعري في طوره الثاني؛ عندما كان موافقا لابن كلاب، متبعاً لمذهبه، سالكاً لطريقته.

وقد اندمجوا فيهم - فيما بعد -، حتى آل الأمر بعد انتشار مذهب الأشعرية إلى أن يطلق اسم كل طائفة من الطائفتين على الأخرى ... - فالتوافق والتطابق حاصل بينهما -، وإن كان الغالب في التسمية للأشعرية.

ويعزى السبب في ذلك إلى:

١ - الارتباط الواضح في النشأة، بين الأشعرية والكلابية.

٢ - نشاط من تبع الأشعري في طوره الثاني في نشر مذهبهم.

ولا ريب أن منهج المعتزلة العقلي، قد أثر بنحو مباشر أو غير مباشر، على هاتين الفرقتين من فرق المبتدعة، نتيجة كثرة احتكاك أصحابهما بالمعتزلة؛ فقد تصدى أصحاب هاتين الفرقتين للمعتزلة، في محاولة منهم للرد عليها، وبيان فساد أقوال معتنقيها.

لكن أصحاب هاتين الفرقتين لم تكن لديهم حصانة كافية من الكتاب والسنة، فلم يخرجوا من المعمعة سالمين، كما خرج أئمة السلف وعلماؤهم.

بل اضطرتهم حجج المعتزلة العقلية والكلامية إلى أن يسلموا لهم بعض أصولهم، وأن يلتزموا لوازم هذه الأصول، متنازل بذلك عن جزءٍ كبيرٍ من الحق الذي كان معهم قبل أن يناظروهم.

ونتيجة تسليمهم للمعتزلة ببعض أصولهم العقلية، بدأت بوادر الاختلاف والانحراف في مذهبهم، مما أبعدهم أكثر من ذي قبل عن مذهب السلف الصافي.

وكان من الأصول التي سلم الكلابية والأشاعرة للمعتزلة مضمونها، والتزموا لوازمها الفاسدة: دليل الأعراض وحدوث الأجسام. فالمعتزلة إذا: هم مصدر دليل الأعراض وحدوث الأجسام - بالنسبة للكلابية والأشاعرة - ومنهم أخذوه وعنهم تلقوه (١).فإنهم وافقوهم على "صحة دليل حدوث الأجسام، فلزمهم أن يقولوا بحدوث ما لا يخلو من الحوادث، ثم قالوا: وما يقوم به الحوادث لا يخلو منها" (٢).يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مخاطباً الأشاعرة، ومبيناً لهم موافقتهم المعتزلة على هذه الأصول الباطلة: "وأنتم شركاؤهم في هذه الأصول كلها، ومنهم أخذتموها، وأنتم فروخهم فيها، كما يقال: الأشعرية مخانيث المعتزلة، والمعتزلة مخانيث الفلاسفة، لكن لما شاع بين الأمة فساد مذهب المعتزلة، ونفرت القلوب عنها، صرتم تظهرون الرد عليهم في بعض المواضع، مع مقاربتكم، أو موافقتكم لهم في الحقيقة" (٣).وهذه الموافقة تفطن لها ابن رشد: حيث ذكر أنه لم يقف على كتب للمعتزلة توضح طرقهم في إثبات الصانع، وإن كان يرى أنها لا تعدو أن تكون من جنس طرق الأشاعرة .. يقول ابن رشد: "وأما المعتزلة: فإنه لم يصل إلينا في هذه الجزيرة من كتبهم شيء نقف منه على طريقهم التي سلكوها في هذا المعنى، ويشبه أن تكون طرقهم من جنس طرق الأشعرية" (٤).

فأكثر الأشاعرة: سلكوا طريقة الأعراض وحدوث الأجسام.

والملاحظ عليهم أنهم منقسمون في دليل الأعراض إلى طائفتين:

١ - طائفة: ترى صحة دليل الأعراض وحدوث الأجسام، لكنها لا توجبه، ولا تعارض به جميع نصوص الصفات؛ فتراهم يثبتون الصفات الخبرية التي لا تتعلق بمشيئة أو قدرة، ويثبتون علو الله تبارك وتعالى على خلقه، مع نفيهم قيام الأفعال الاختيارية في ذاته جل وعلا.

وهؤلاء هم متقدموا الكلابية والأشعرية؛ كابن كلاب، والأشعري، وغيرهما.


(١) انظر: ((نقض أساس التقديس)) لابن تيمية - مطبوع - (١/ ٢٥٧). و ((درء تعارض العقل والنقل)) له (٧/ ٢٣٧).
(٢) ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (٣/ ٣٥٤). وانظر ((درء تعارض العقل والنقل)) (٧/ ٢٢٤).
(٣) ((التسعينية)) لابن تيمية (ص: ٢٧٢).
(٤) ((الكشف عن منهاج الأدلة)) لابن رشد (ص: ٦٤ - ٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>