للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: الرد الإجمالي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم]

يتلخص الرد الإجمالي: على استدلال المبتدعة بقصة الخليل إبراهيم عليه السلام على تصحيح دليلهم، وعلى نفي الصفات الاختيارية عن الله جل وعلا، ونفي أن يكون جسماً، فيما يأتي:١ - إن مبدأ معرفة الأنبياء عليهم السلام لربهم جل وعلا، ولشرائعه تبارك وتعالى تكون عن طريق الوحي، لا بالنظر (١).

يدل على ذلك قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا [الشورى: ٥٢]، وقوله تبارك وتقدس: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [الضحى: ٧]، وغير ذلك من الآيات ..

٢ - إن قصة المناظرة كانت بعد بعثة إبراهيم الخليل عليه السلام.

وقد كان الخليل عليه السلام وقتها عارفاً بربه جل وعلا ..

ولم يكن المقام مقام استدلال بالمحدث على المحدث كما زعم المبتدعة، بل كان مقام لقومه، وإبطال لعبادتهم الكواكب من دون الله تعالى ...

يدل على ذلك قوله تعالى قبل ذكر قصة المناظرة: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الأنعام: ٧٥]، ثم قال بعدها: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ [الأنعام: ٧٦] ... الآيات.

والفاء للعطف والترتيب ..

وهذا يدل على أن الخليل عليه السلام ناظر قومه، وبين لهم بطلان عبادتهم للكواكب بعد أن رأى ملكوت السموات والأرض، أو بعد مناقشة لأبيه آزر بشأن عدم صلاحية الأصنام للعبادة.

- وهذا الفهم يعضده أمران، هما:

أ- في قول الله تبارك وتعالى: نُرِي: إشارة إلى سبق معرفة إبراهيم بربه جل وعلا، ومعناها: أن الله هو الذي أرى إبراهيم الخليل عليه السلام ملكوت السموات والأرض قبل مناظرته لقومه، لا أن إبراهيم عليه السلام أنشأ استدلالاً فيما بعد ليتوصل إلى إثبات الصانع؛ كزعم المبتدعة ..

ب- في قول الله تعالى: وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ: إشارة إلى أن اليقين قد حصل لإبراهيم الخليل عليه السلام قبل مناظرته لقومه .. واليقين: هو العلم، وزوال الشك (٢).

والذي حصل له العلم بربه، وزال الشك عنه، هل يحتاج على الاستدلال ليتوصل إلى معرفة ربه؟! ..

أم إنه تهيأ لمناظرة قومه، وإقامة الحجة عليهم؟

٣ - إن دليل الأعراض وحدوث الأجسام ليس طريقة الخليل عليه السلام، ولا طريقة إخوانه المرسلين عليهم أفضل الصلوات والتسليم ..

فلم يكن نبي من أنبياء الله عليهم السلام يدعو أحداً من أمته على الاستدلال على وجود الله تعالى بالجواهر والأعراض، والحركة والسكون، وغير ذلك من الألفاظ المجملة، والمعاني المبهمة التي ما أنزل الله بها من سلطان ..

بل هذا الدليل، وما يشتمل عليه من طريقة أعداء المرسلين، وطريقة أعداء الخليل عليه السلام بالذات ..

فقد تقدم أن من ابتدع هذا الدليل في الإسلام، تلقاه عن الصابئة المبدلين، وهم أعداء الخليل الذين بعث فيهم صلى الله عليه وسلم حينما عبدوا الكواكب من دون اللهِ، وهم المعنيون بالمناظرة هذه ..

٤ - إن الخليل عليه السلام كإخوانه من الأنبياء والمرسلين، لم يكن ينفي عن الله تعالى صفاته، لا بعضها، ولا كلها ..

بل كان مثبتاً للصفات، موقناً أن معبوده جل وعلا متصف بصفات الكمال، منكراً على من عبد من لا يسمع، ولا يبصر، ولا يغني عن عابديه شيئاً ..


(١) انظر: ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (٢/ ١).
(٢) انظر: ((الصحاح للجوهري)) (٦/ ٢٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>