للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الرابع: قولهم في الزيادة والنقصان هذه المسألة اختلفت آراء الأشاعرة فيها، فلم يثبتوا على رأي واحد، بل منهم من منع القول بزيادة الإيمان ونقصه، ومنهم من أثبتهما، وبعض آخر أثبت الزيادة ومنع النقصان ولكل وجهة تختلف عن وجهة الآخر ودليل غير دليله. فقد ذكر البغدادي أن من ذهب من الأشاعرة إلى القول بأن الإيمان تصديق بالقلب فقط منع القول بالنقصان، واختلفوا في الزيادة وقد اختار هو القول بالزيادة والنقصان وساق الأدلة على ذلك (١).وقد ذكر صاحب (المواقف) عن الإمام الرازي وكثير من المتكلمين رأيهم بأنه بحث لفظي، لأنه فرع تفسير الإيمان، فمن قال هو التصديق فليس هو قابلاً للزيادة والنقصان، وعللوه بأن الواجب هو اليقين وأنه لا يقبل التفاوت لا بحسب ذاته، لأن التفاوت إنما هو لاحتمال النقيض وهو – أي احتماله – ولو بأبعد وجه ينافي اليقين فلا يجامعه، ولا بحسب متعلقه لأنه جميع ما علم بالضرورة مجيء الرسول به، والجميع من حيث هو جميع لا يتصور فيه تعدد، وإلا لم يكن جميعاً، وإن قلنا هو الأعمال، إما وحدها أو مع التصديق فيقبلهما وهو ظاهر (٢). وهذا القول – أي أن الخلاف في مسألة زيادة الإيمان ونقصه لفظي – في نظري غير صحيح، لأن ثمة من قال بأن الإيمان هو التصديق، ومع ذلك قال إن الإيمان يزيد وينقص بحسب ذاته أي التصديق نفسه يزيد وينقص، وبحسب متعلقه وهي أفراد ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مما يجب التصديق به. وممن قال بأن الخلاف في زيادة الإيمان ونقصه لفظي الإمام أبو حامد الغزالي (٣). على أنني أحب أن أنبه هنا إلى أنهم لا يقصدون بقولهم: إن الخلاف لفظي أن الآراء ترجع إلى رأي واحد إما القول بالزيادة والنقصان أو عدمهما على تعددها، بل المقصود أن الرأي في ذلك فرع عن الرأي في حقيقة الإيمان.

ثم إن عضد الدين الإيجي صاحب (المواقف)، رجح القول بأن الإيمان يزيد وينقص حتى وإن كان التصديق وحده حيث قال: والحق أن التصديق يقبل الزيادة والنقصان لوجهين: أي بحسب الذات وبحسب المتعلق.


(١) انظر: ((أصول الدين)) للبغدادي، (ص: ٢٥٢)، ط مطبعة الدولة باستانبول، سنة ١٣٤٦هـ - ١٩٢٨م.
(٢) انظر: ((المواقف بشرح الجرجاني)) (٨/ ٣٣٠)، ط مطبعة السعادة، مصر، سنة ١٣٢٥هـ - ١٩٠٧م.
(٣) انظر: ((الاقتصاد في الاعتقاد)) للغزالي، تحقيق الدكتور عادل العوا، (ص: ٢٠٨)، ط١ بدار الأمانة، بيروت، سنة ١٣٨٨هـ - ١٩٦٩م.

<<  <  ج: ص:  >  >>