للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: هل الإرادة تقتضي المحبة أم لا؟]

هذه المسألة مرتبطة بشكل قوي بالمسألة السابقة – مسألة تعليل أفعال الله – لأن الذي حدا بالأشاعرة إلى أن ينكروا التعليل ما توهموه من وجود تعارض بين الأمر والقدر، وكيف يريد الله أمرا إرادة كونية كالكفر والمعاصي، ثم هو لا يحبها ولا يرضاها ولا يريدها دينا؟ فرأوا أن الخروج من هذا المأزق يكون بإنكار الحكمة والتعليل في أفعال الله وأوامره. وموضوع الإرادة وهل هي مستلزمة للرضى والمحبة مما خاض فيه أهل الأهواء، وضلوا فيه عن الحق وأدى بهم ضلالهم إلى انحراف خطير جدا في مسألة القضاء والقدر وفي مسألة الأمر والنهي، وعلاقة هذه بتلك. وقد وصل الأمر بغلاة الصوفية إلى أن اعتقدوا "أنه ليس في مشهدهم لله محبوب مرضي مراد إلا ما يقع، فما وقع فالله يحبه ويرضاه، وما لم يقع فالله لا يحبه ولا يرضاه، والواقع هو تبع القدر لمشيئة الله وقدرته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فهم من غلب كانوا معه، لأن من غلب كان القدر معه، والمقدور عندهم هو محبوب الحق، فإذا غلب الكفار كانوا معهم، وإذا غلب المسلمون كانوا معهم" (١)، وعلى هذا فإبليس وجميع الكفار والملاحدة والعصاة مطيعون لله، لموافقتهم للقدر، ولعل هذا سر ما يؤثر عن غلاة الصوفية من انحرافات أخلاقية سافلة، ومن أقوال كفرية لم تؤثر حتى عن الكافرين والملاحدة.

والخلاف في هل الإرادة تستلزم الرضى والمحبة وقع على قولين: القول الأول: أن الإرادة تستلزم الرضى، وهذا قول المعتزلة والجهمية وأغلب الأشاعرة (٢).وبعض الأشاعرة لهم عبارات تخفف من هذه المقالة، مثل قول بعضهم بحمل المحبة والرضا على الإرادة، ولكنه يقول: "إذا تعلقت الإرادة بنعيم ينال عبدا فإنها تسمى محبة ورضى، وإذا تعلقت بنقمة تنال عبدا فإنها تسمى سخطا" (٣)، فمن جوز إطلاق المحبة على الإرادة قالوا: إن الله يحب الكفر ويرضاه كفرا معاقبا عليه (٤).


(١) ((رسالة الاحتجاج بالقدر)) (ص: ٨٠ - ٨١) – ط المكتب الإسلامي.
(٢) انظر: ((المغني في أبواب التوحيد والعدل)) (جـ٦ – قسم ٢ – ص: ٥١ - ٥٦)، و ((الحرة – المطبوعة باسم الإنصاف –)) للباقلاني (ص: ٤٤ - ٤٥)، و ((لباب العقول)) للمكلاتي (ص: ٢٨٨).
(٣) ((الإرشاد للجويني)) (ص: ٢٣٩) و ((شرح المواقف)) (ص: ٢٨٨) – جزء مستقل محقق.
(٤) انظر: ((لباب العقول)) (ص: ٢٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>