للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثالث: تقديم الرأي على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم ... طريق أهل السنة أن لا يعدلوا عن النص الصحيح، ولا يعارضوا بمعقول ولا قول فلان. فهذه طريقة أهل البدع في تلقي النصوص وهم كما وصفهم الفاروق عمر رضي الله عنه أنهم أعداء السنن ويبين رضي الله عنه سبب هذا العداء بين أهل الفرقة والبدعة وبين السنة فيقول: أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها وتفلتت منهم أن يعوها واستحيوا حين سُئلوا أن يقولوا لا نعلم فعارضوا السنن برأيهم فإياكم وإياهم (١).وفي رواية أخرى: أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلّوا وأضلوا (٢).لذلك اشتد نكير أهل السنة - كما قال ابن أبي العز الحنفي - على أصحاب الرأي لهذا المنهج السقيم الذي يهدم الدين ويفرق بين المسلمين يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مبيناً خطورة تقديم الرأي على النص: لا يأتي عليكم زمان إلا وهو أشر مما كان قبله أما إني لا أعني أميراً خيراً من أمير ولا عاماً خيراً من عام، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفاً ويجيء قوم يفتون برأيهم وفي لفظ آخر: وما ذاك بكثرة الأمطار وقلتها، ولكن بذهاب العلماء ثم يحدث قوم يفتون في الأمور برأيهم فيثلمون الإسلام ويهدمونه (٣) ... ويبين الإمام أبو محمد عبد الله بن قتيبة أن منهج أهل السنة المقدّم لنصوص الوحي على كل قول هو الذي يجمع المسلمين بخلاف منهج أهل الرأي والكلام المقدّم لهما على قول الله وقول رسوله فيقول: ولو أردنا رحمك الله أن ننتقل عن أصحاب الحديث ونرغب عنهم إلى أصحاب الكلام ونرغب فيهم لخرجنا من اجتماع إلى تشتت وعن نظام إلى تفرق وعن أنس إلى وحشة وعن اتفاق إلى اختلاف لأن أصحاب الحديث كلهم مجمعون ... لا يختلفون في هذه الأصول (٤).


(١) انظر: ((شرح العقيد الطحاوية)) (٢/ ٤٩٨ - ٥٠٠)، و ((أعلام الموقعين)) (١/ ٥٥). وقال عن هذه الآثار وغيرها: وأسانيد هذه الآثار عن عمر في غاية الصحة.
(٢) ((أعلام الموقعين)) (١/ ٥٥).
(٣) ((فتح الباري)) لابن حجر (١٣/ ٢١)، و ((جامع بيان العلم وفضله)) (٢/ ١٠٤٤).
(٤) ((تأويل مختلف الحديث)) (٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>