للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السادس: تناقض الأشاعرة]

من أبرز السمات العامة لمنهج شيخ الإسلام في ردوده على الأشاعرة، وقد استخدمه كثيرا وهو يناقش المسائل الكثيرة التي خالفوا فيها مذهب السلف. والسؤال الذي يرد هنا هو: هل كان هذا المذهب يحمل في طياته منذ نشأته مبدأ التناقض؟ وبعبارة أخرى هل المنهج التلفيقي الذي أراد مؤسسوه، أن يبنوا عليه هذا المذهب أدى إلى الوقوع في هذا التناقض؟ إن كلام شيخ الإسلام يدل على أنه يجيب بالإيجاب، فهو يقول عن أبي الحسن الأشعري بعد دفاعه عنه: "لكن كانت خبرته بالكلام خبرة مفصلة، وخبرته بالسنة خبرة مجملة، فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم التي التزموا لأجلها خلاف السنة، وأعتقد أنه يمكنه الجمع بين تلك الأصول وبين الانتصار للسنة، كما فعل في مسألة الرؤية والكلام والصفات الخبرية وغير ذلك. والمخالفون له من أهل السنة والحديث، ومن المعتزلة والفلاسفة، يقولون: إنه متناقض، وإن ما وافق فيه المعتزلة يناقض ما وافق فيه أهل السنة" (١)، ويقول أيضا عن ابن كلاب والقلانسي والأشعري: "لكن في أقوالهم شيء من أصول الجهمية، وما يقول الناس: إنه يلزمهم بسببه التناقض، وأنهم جمعوا بين الضدين، وأنهم قالوا ما لا يعقل، ويجعلونهم مذبذبين، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء فهذا وجه من يجعل في قولهم شيئا من أقوال الجهمية" (٢). وهنا جمع شيخ الإسلام بين الأشعري وشيوخه من الكلابية في وقوعهم في التناقض. ولا شك أن الأشعري أراد أن يجمع بين الإيمان ببعض أصول المعتزلة والجهمية مع اتباع مذهب السلف، ولما كانت خبرته بمذهب السلف قليلة أراد أن يجمع بين تلك الأصول ومذهب السلف الذي حكاه بإجمال، حكى بعضه كما يعتقده، لا كما هو في واقع الأمر. يقول شيخ الإسلام عن الأشعري: "وأقرب الأقوال إليه قول ابن كلاب، فأما ابن كلاب فقوله مشوب بقول الجهمية، وهو مركب من قول أهل السنة وقول الجهمية. وكذلك الأشعري في الصفات. وأما في القدر والإيمان فقوله قول جهم. وأما ما حكاه عن أهل السنة والحديث وقال: "وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول إليه نذهب" (٣)، فهو أقرب ما ذكره، وبعضه ذكره عنهم على وجهه، وبعضه تصرف فيه وخلطه بما هو من أقوال جهم في الصفات والقدر؛ إذ كان هو نفسه يعتقد صحة تلك الأصول. وهو يحب الانتصار لأهل السنة والحديث، وموافقتهم، فأراد أن يجمع بين ما رآه من رأي أولئك، وبين ما نقله عن هؤلاء، ولهذا يقول فيه طائفة: إنه خرج من التصريح على التمويه، كما يقوله طائفة: إنهم الجهمية الأناث، وأولئك الجهمية الذكور" (٤).


(١) ((المسألة المصرية في القرآن، مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٢٠٤ - ٢٠٥).
(٢) ((المسألة المصرية في القرآن، مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٢٠٦).
(٣) ((المقالات للأشعري)) (ص: ٢٩٧) – ت ريتر ١/ ٣٢٥ ط عبدالحميد.
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (١٦/ ٣٠٨ - ٣٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>