للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث السابع: التناحر الأشعري الأشعري اعترف العز بن عبدالسلام وابن حجر الهيتمي بوقوع الخلاف فيما بين الأشاعرة "والعجيب أن الأشعرية اختلفوا في كثير من الصفات كالقدم والبقاء والوجه واليدين والعينين، وفي الأحوال وفي تعدد الكلام واتحاده" (١).وذكر العز بن عبدالسلام أن أصحاب الأشعري مترددون مختلفون في صفات البقاء والقدم هل هي من صفات السلب أم من صفات الذات (٢).وصدق فيما قال، فإن منهم من يقسم الصفات إلى قسمين: نفسية ومعنوية، ومنهم من يجعلها ثلاثة أقسام: ذاتية ومعنوية وفعلية، ومنهم من يجعلها أربعاً: نفسية وسلبية وصفات معان وصفات معنوية (٣).

فهم مختلفون في طريقة تنزيه ربهم.

ومنهم المفوض الذي يلزم المؤول بالتحريف في صفات الله.

ومنهم المؤول الذي يصف المفوض بأنه يلزمه أن النبي كان جاهلا بمعاني صفات الله.

وكل من هاتين الطائفتين تمتاز بصفة ذكرها الله في أهل الكتاب: فالمؤولة يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ [المائدة: ١٣].

والمفوضة لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ [البقرة: ٧٨] أي إلا تلاوة للمعنى، لا يفهمونه ولا يتدبرونه. مع أن ثمرة التلاوة يجب أن تكون التفكر وتدبر المعاني. وأنهم وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ [المائدة: ١٣].

الأشاعرة المؤولة يردون على الأشاعرة المفوضة

فالأشاعرة فرقتان: أشاعرة مؤولة وأشاعرة مفوضة.

والماتريدية فرقتان: ماتريدية مؤولة وماتريدية مفوضة.

فهم في الحقيقة أربع فرق لا فرقتان.

وكل فريق منهم ينكر على الآخر ويتهمه بتجاهل معاني كلام الله، بل ونسبة الجهل وما لا يليق إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد رد ابن فورك على المفوضة الذين يزعمون أن ألفاظ الصفات مما لا يفهم معناه قائلا: بأنه لو كان معنى الصفات غير مفهوم لكان خطاب الله خالياً من الفائدة، وعارياً عن معنى صحيح: وهذا مما لا يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم (٤). وإذا كان لا يليق بالنبي فهو باطل! ولكن العجيب أن الأشاعرة يجعلون هذا الباطل أحد طريقي أهل السنة في تنزيه الله "التأويل والتفويض" ويجيزون لأتباعهم أن يختاروا أياً من الطريقين شاؤا: إما التأويل وإما التفويض. حتى قال اللقاني في (جوهرة التوحيد) (٥):

وكل وصفٍ أوهم التشبيها ... أوله أو فوض ورم تنزيها

- وألزم الرازي المفوضة بأحد أمرين:

= إما أن يقطعوا بتنزيه الله عن المكان والجهة، فقد قطع بأنه ليس مراد الله من الاستواء الجلوس. وهذا هو التأويل.= وإما أن لا يقطع بتنزيه الله عن المكان والجهة بل بقي شاكاً فيه، فهو جاهل بالله تعالى" (٦).


(١) ((قواعد الأحكام)) (ص: ١٧٢) ((الإعلام بقواطع الإسلام)) (ص: ٢٤) ط/ دار الكتب العلمية سنة ١٤٠٧ و ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) للهيتمي (٢/ ٣٥٠) وحكى الشهرستاني رد الباقلاني على شيخه الأشعري في ((إثبات الحال الفصل في الملل والنحل)) (١/ ١٢١).
(٢) ((قواعد الأحكام الكبرى)) (ص: ١٧٠).
(٣) انظر في ذلك: ((الإرشاد)) للجويني (ص: ٥١) و ((لوامع البينات)) للرازي (ص: ٤٧) و ((إتحاف المريد بجوهرة التوحيد)) (ص: ٦٩ و ١١٤).
(٤) ((مشكل الحديث)) وبيانه (ص: ٤٩٦).
(٥) ((جوهرة التوحيد)) (ص: ٩١) وهو مقرر في الأزهر في تدريس مادة العقيدة.
(٦) ((التفسير الكبير للرازي)) (٢٢/ ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>