للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السادس: التعصب المذهبي والطائفي، والتقليد للرجال، وتقديم أقوالهم على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم]

إن من أسباب الفرقة ما يقع فيه بعض المسلمين من الغلو والتعصب في الأشخاص، والتقليد الأعمى لأقوالهم وتقديمها على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا مما حذرنا الله تعالى منه، وأمرنا أن نعتبر بحال أهل الكتاب الذين غلوا في عيسى عليه السلام، وتعصبوا له ولأتباعه فأدى بهم ذلك إلى انحرافهم عن الصراط المستقيم، يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً [النساء: ١٧١].

يقول ابن كثير: فينهى الله تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء وهذا كثير في النصارى فإنهم تجاوزوا الحد في عيسى حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها بل قد غلوا في أتباعه وأشياعه ممن زعم أنه على دينه فادعوا فيهم العصمة واتبعوهم في كل ما قالوه سواء كان حقا أو باطلا، أو ضلالا أو رشادا، ولهذا قال تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة: ٣١]. ويقول سبحانه وتعالى مبينا سبب ضلال القوم وسبب هذا الغلو: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ [المائدة: ٧٧]. ومعنى الآية: أي لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق، ولا تطروا من أمرتم بتعظيمه فتبالغوا فيه حتى تخرجوه عن حيز النبوة إلى مقام الإلهية. . وما ذاك إلا لاقتدائكم بشيوخكم شيوخ الضلال الذين هم سلفكم ممن ضل قديما، وخرجوا عن طريق الاستقامة والاعتدال إلى طريق الغواية والضلال (١).ولقد جاء النهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في المدح والثناء أو رفع الإنسان فوق منزلته، إذ لما جاءه وفد بني عامر قالوا له: أنت سيدنا، فقال: ((السيد الله تبارك وتعالى, قالوا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا، فقال: قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان)) (٢).


(١) انظر ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ٧٨).
(٢) رواه أبو داوود (٤٨٠٦) وصححه الألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>