للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: أسباب انتشار الماتريدية]

انتشرت الماتريدية في بقاع الأرض شرقها، وغربها لأسباب أهمها ما يلي:

١ - السبب الرئيس، بل أهم الأسباب، اعتناق السلاطين والملوك للمذهب الحنفي، فبسبب ذلك انتشر المذهب الحنفي في شرق الأرض وغربها، وعربها، وعجمها، وفارسها ورومها، وبانتشار الحنفية ونفوذ سلطانهم انتشرت الماتريدية، لأن الماتريدية كانوا يمثلون المذهب الحنفي، وهذه حقيقة اعترف بها الحنفية الماتريدية.

٢ - ومن المعروف في التاريخ عبر القرون أن أية دولة إذا كانت تميل إلى فرقة ما تسهل وتوفر لعلمائها مناصب القضاء، والإفتاء والرئاسة والخطابة والتأليف، والتدريس؛ فيجدون أسبابا كثيرة وطرقا ميسورة لبسط سلطانهم على القلوب والأبدان، ونفوذ تأثيرهم على الشعوب والأوطان وتشجعهم الدولة أيضا بإنشاء المدارس والجوامع، وبذلك تنشر أفكارهم ويزداد نشاطهم.

قال الشاه ولي الله الدهلوي (١١٧٦هـ) في بيان سبب انتشار الحنفية:

" فأي مذهب كان أصحابه مشهورين، وسد إليهم القضاء، والإفتاء، واشتهرت تصانيفهم في الناس، ودرسوا درسا ظاهرا، انتشر في أقطار الأرض، ولم يزل ينتشر كل حين، وأي مذهب كان أصحابه خاملين، ولم يولوا القضاء، والإفتاء، ولم يرغب فيهم الناس اندرس بعد حين " وقد صرح العلامة عبد الحي اللكنوي أن سبب شيوع مذهب الحنفية تولية الإمام أبي يوسف قضاء القضاة زمن هارون الرشيد (١).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:

" وتجد الإسلام والإيمان كلما ظهر وقوي كانت السنة وأهلها أظهر وأقوى، وإن ظهر شيء من الكفر، والنفاق ظهرت البدع بحسب ذلك، مثل دولة المهدي (محمد بن المنصور ١٦٨هـ) والرشيد (هارون بن محمد المهدي ١٩٣هـ) ونحوهما ممن كان يعظم الإسلام والإيمان ويغزو أعداءه من الكفار والمنافقين كان أهل السنة في تلك الأيام أكثر وأقوى، وأهل البدع أقل، وأذل. .؛

ولكن كانت البدع في القرون الثلاثة الفاضلة مقموعة، وكانت الشريعة أعز وأظهر، وكان القيام بجهاد أعداء الدين من الكافرين والمنافقين أعظم. وفي دولة أبي العباس المأمون (٢١٨هـ) ظهر (الخرمية) (٢) ونحوهم من المنافقين، وعرب من كتب الأوائل (يعني الفلاسفة) المجلوبة من بلاد الروم ما انتشر بسببه مقالات الصابئين، وأرسل ملوك المشركين من الهند ونحوهم حتى صار بينه وبينهم مودة. . فتولد من ذلك محنة الجهمية، حتى امتحنت الأمة بنفي الصفات، والتكذيب بكلام الله ورؤيته، وجرى من محنة الإمام وغيره ما جرى مما يطول وصفه إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ [البقرة:١٥٦].

وكان في أيام المتوكل (جعفر بن محمد المعتصم ٢٤٧هـ) قد عز الإسلام حتى ألزم أهل الذمة بالشروط العمرية، وألزموا الصغار، فعزت السنة والجماعة، وقمعت الجهمية والرافضة ونحوهم. . ". إلى آخر ذلك الكلام المهم في مقارنة الملوك والدول ومعاملتهم مع الإسلام وأهله والسنة وأهلها.


(١) ((النافع الكبير مقدمة الجامع الصغير)) لـ (الإمام محمد بن الحسن الشيباني): (٧).
(٢) الخرمية بضم الخاء المعجمة وتشديد الراء المهملة مخفف الخرم دينية " كلمة فارسية " بمعنى " الدين المستلذ " وقصدهم بذلك تحليل كل محرم فهي فرقة لا دينية إباحية على طريقة (المزدكية) من المجوس الإباحية ثم بايعوا رجلا " بابك الخرمي " وانضموا إلى الباطنية القرامطة فازداد شرهم وظهروا في " جبل البدين " بناحية أذربيجان، وكان بينهم وبين جيوش المعتصم حروب دامية حتى قتل بابك الخرمي ٢٢٣هـ، راجع ((الفرق بين الفرق)) (ص٢٦٨)، و ((فضائح الباطنية)) (ص١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>