للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الأول: توحيد الربوبية والألوهية ترى الماتريدية كما مر معنا أن معرفة الله لا تتم إلا بالمعرفة الضرورية الفطرية بل لا تكون إلا بالاكتساب العقلي فلذا كان من الأصول التي تنبني عليها عقيدتهم (وجوب معرفة الله بالعقل) ورتبوا على ذلك إيجاب النظر والاستدلال وجعلوه أول واجب على العبد (١).وهذا مما جعلهم يتعبون أنفسهم في إقامة الأدلة والمقاييس العقلية لإثبات هذا النوع من التوحيد الذي لم ينازع في أصله أحد من بني آدم (٢) وجعلوه هو الغاية الكبرى والمقصد الأسنى وأن من أتى به كان مؤمنا موحدا.

وتقريرهم لتوحيد الربوبية يقوم على إثبات قضيتين:

الأولى: إثبات وجود الله.

الثانية: إثبات وحدانية الله في ربوبيته.

وفيما يلي تفصيل القول في كل قضية على حدة:

أولا: إثبات وجود الله: تعتقد الماتريدية أن الله تعالى لا يعرف إلا من طريق العالم وفي هذا يقول الماتريدي: " والأصل أن الله تعالى إذ لا سبيل إلى العلم به إلا من طريق دلالة العالم عليه بانقطاع وجوه الوصول إلى معرفته من طريق الحواس عليه أو شهادة السمع ... " (٣).

وهذه المعرفة تكون عندهم بإثبات حدوث العالم ثم الاستدلال بذلك على إثبات وجود محدثه تعالى. والماتريدي استدل على إثبات وجود الله بعدة أدلة ولكنها في الحقيقة جميعا ترجع إلى دليل واحد وهو دليل الحدوث والماتريدي ألمح في عدة مواضع من كتاب (التوحيد) إلى أن إثبات الصانع ليس له دليل إلا دليل الحدوث (٤). كما أن النسفي أكد على أن العناية يجب أن تصرف لهذا الدليل، فلذا كان هو الدليل المعتمد عند الماتريدية حتى أنهم لا يلتفتون إلى غيره من الأدلة (٥)، وعامة المتكلمين استدلوا بدليل الحدوث وعولوا عليه في إثبات وجود الله وإن كانوا قد اختلفوا في بعض التفريعات فقط (٦).ودليل الحدوث في الأصل مأخوذ في الأصل عن المعتزلة والجهمية الذين تأثروا بالفلاسفة وقد اعترف بهذا الأشعري رحمه الله في (رسالته إلى أهل الثغر) ونص على هذا أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في عدة مواضع من كتابه (درء تعارض العقل والنقل) من ذلك قوله رحمه الله: " والمعتزلة هم الأصل في هذه الطريقة (يعني دليل الحدوث) وعنهم انتشرت وإليهم تضاف ... " (٧).


(١) انظر ((التوحيد)) ((١٣٥ - ١٣٧)، ((شرح المقاصد)) (١/ ٤٤، ٤٥، ٤٨، ٤٩)، ((إشارات المرام)) (٨٤).
(٢) انظر ((نهاية الإقدام)) (١٢٣، ١٢٤)، ((الفتاوى)) (٢/ ٣٧، ٣٨).
(٣) ((التوحيد)) (١٢٩).
(٤) ((التوحيد)) (٢٣١، ٢٣٣).
(٥) انظر ((التوحيد)) (١١ - ١٩، ٤٠، ٨٢، ١٤١، ١٤٢)، ((أصول الدين)) (١٤، ١٥، ١٨)، ((تبصرة الأدلة)) (ل ٣٢ وما بعدها)، ((التمهيد)) (٤، ٥)، ((البداية للصابوني)) (١٩، ٢٠)، ((تفسير النسفي)) (١/ ٢٠٠)، ((النور اللامع)) (ل ٢٠ - ٢٣) ((المسايرة)) (١٧، ١٨، ٢٠، ٢١)، ((بيان الاعتقاد)) (ل ٧، ٨)، ((إشارات المرام)) (٨٢ - ٩٤).
(٦) ((الانتصار للخياط)) (٣٦)، في ((التوحيد)) للنيسابوري (٧٣)، ((شرح الأصول الخمسة)) (٩٢ - ١٠٨)، ((رسائل العدل والتوحيد)) تحقيق محمد عمارة (٢٠٣ - ٢٠٩) ط٢، دار الشروق، ((الإرشاد للجويني)) (١٧، ١٩)، ((الإنصاف)) للباقلاني (٢٢)، ((نهاية الإقدام)) (٥، ٦)، ((أصول الدين)) للبغدادي (٣٥)، ((محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين)) (٨٢)، ((النظام وآراؤه الكلامية والفلسفية)) لأبي ريدة (٦)، ((العقل والحرية)) (دراسة في فكر القاضي عبد الجبار) عبد الستار الراوي (٢٤٠، ٢٤٨ - ٢٥٠، ٢٨٨)، ((أبو الهذيل العلاف))، علي الغرابي ٥٢، وما بعدها.
(٧) ((رسالة الأشعري إلى أهل الثغر ضمن درء تعارض العقل والنقل)) (٧/ ٢٠٩، ٢١١، ٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>