للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: مذهب الماتريدية في أفعال العباد]

قالت الماتريدية: إن أفعال العباد مخلوقة لله كما تقدم الإشارة إلى ذلك وأن الله تعالى خلقها كلها خيرا كانت أو شرا واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة نقلية وعقلية. قال الماتريدي: " ثم الدليل عندنا من طريق القرآن على لزوم القول بخلق الأفعال قوله: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:١٤] فلو لم يكن جل ثناؤه خالقا لما يجهر ويخفى لم يكن ليحتج به على علمه .... وأيضا أن الله تعالى قال: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [يونس:٢٢] وقال في موضع آخر وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ [سبأ:١٨] أخبر أن تقدير السير والتسير فعله وبه كان السير ... " (١) وقال: " وأيضا القول بالمتعارف في الخلق أن لا خالق غير الله ولا رب سواه ولو جعلنا حدث الأفعال وخروجها من العدم إلى الوجود ثم فناءها بعد الوجود ثم خروجها على تقدير من أربابها لجعلنا لها وصف الخلق الذي به صار الخلق خلقا وفي ذلك لزوم القول بخالق سواه ... " (٢).وقال البزدوي: " قال أهل السنة والجماعة: أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ومفعولة والله تعالى موجدها ومحدثها ومنشؤها ... وجه قول أهل السنة والجماعة قول الله تعالى: اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الرعد:١٦] والفعل شيء فيكون الله تعالى خالقه وقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:٩٦] أي الذي تعملون فجعل أفعالنا مخلوقاته كأنفسنا ... والدليل المعقول في المسألة أن أفعال العبد لا يستحيل دخولها تحت قدرة الله تعالى فإنها تدخل تحت قدرة الله تعالى كما في المعلومات كلها فيما يدخل تحت علم العباد لا يستحيل دخوله تحت علم الله تعالى فإذا لم يستحل دخولها تحت قدرة الله تعالى فالله تعالى غير متناهي القدرة فيدخل تحت قدرته ... وإذا دخل تحت قدرة الله تعالى يكون الله موجده كما في الأجسام" (٣).وقال أبو المعين النسفي: " وقال أهل الحق: للخلق أفعال بها صاروا عصاة ومطيعين وهي مخلوقة لله تعالى ... وأهل الحق يتعلقون بقوله تعالى: اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد:١٦] والآية خارجة مخرج التمدح ولا تمدح بما يساويه فيه غيره وفي إخراج فعل غيره عن تخليقه إزالة التمدح لأنه يصير في التقدير كأنه قال: خالق كل شيء وهو فعله أو خالق كل شيء ليس بفعل لغيره ..... وهذا باطل .... وبقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:٩٦] أي: وعملكم ... والمعقول لنا أن إثبات قدرة التخليق للعبد محال لأن من شرط قدرة التخليق ثبوت العلم للخالق بالمخلوق قبل الوجود بدليل قوله تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:١٤] وكذا بداهه العقول واعتراف الخصوم باشتراط العلم يدلان على هذا ثم الخلق لا علم لهم بكيفية الاختراع والإخراج من العدم إلى الوجود ...


(١) ((التوحيد)) (ص ٢٥٤).
(٢) ((التوحيد)) (ص ٢٣٠)، وانظر (ص ٢٢١ - ٢٥٦).
(٣) ((أصول الدين)) (ص ٩٩،١٠٢، ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>