للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خامسا: إبطال شبهاتهم حول "علو" الله تعالى]

للماتريدية شبهات كثيرة تشبثوا بها في نفي "علو" الله سبحانه وتعالى تشبث الغريق بكل حيلة.

وكلها ترجع إلى شبهة "التشبيه" التي عطلوا بها كثيراً من الصفات - ومنها صفة "العلو" وقد أبطلنا هذه الشبهة في الفصل الأول من الباب الثاني.

أما في هذا الفصل فقد ذكرنا من شبهاتهم حول صفة "العلو" ستاً مع إبطالها في المباحث السابقة.

ونذكر في هذا المبحث من شبهاتهم أربعاً أخرى مع الجواب عنها، وهي: شبهات "الحد" و"الجهة" و"الحيز" و"المكان".

زعمت الماتريدية تبعاً للجهمية الأولى أن نصوص الفوقية وعلو الله تعالى ولو حملت على ظاهرها، وأن صفة "علو" الله تعالى لو حملت على حقيقتها-

لزم كون الله تعالى في "الجهة" "وكونه" "محاطاً" وإن كان في "جهة" لابد أن يكون بينه وبينها مسافة مقدرة.

ويتصور أن تكون أزيد من ذلك، أو أنقص، أو مساوية.

ولو كان الله تعالى في "جهة".

لزم قدم "المكان" و"الجهة" و"الحيز".

كما لزم كون الله تعالى "جسماً" و"مركباً" و"جوهراً".

وكونه محلاً للحوادث.

وأيضاً إما أن يساوي "الحيز" أو ينقص عنه فيكون "متناهياً" أو يزيد عليه فيكون "متحيزاً".

هذا كان تقريراً لشبهاتهم في نفي "علو الله تعالى".

وبناءً على هذه الواهيات قالوا: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل به ولا منفصل عنه وليس في جهة، ولا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف، ولا على العرش ولا فوق العالم، ولا على غيره.

ولذلك كفروا من وصف الله بأنه في السماء أو وصفه بأنه فوق العالم.

وقالوا: "وهو تعالى منزه عن صفات الجواهر والأجسام والأعراض، ولوازمها لا مجال للزمان والمكان والجهة في حضرته تعالى، وهذه كلها مخلوقاته وزعم جماعة ممن لا خير لهم: أنه تعالى فوق العرش. وأثبتوا له سبحانه وتعالى جهة الفوق والعرش ... " (١).

أما الكوثري مجدد الماتريدية ورافع لواء الجهمية والقبورية في آن واحد - فيقول: من جوز في معبوده الدخول والخروج والاستقراء - فهو عابد وثن.

وقال فيمن أثبتوا علو الله تعالى، واستواءه على عرشه:

لاحظ لهم من الإسلام غير أن جعلوا صنمهم الأرضي صنماً سماوياً. وقال الكوثري: "واعتقاد حلول الحوادث فيه جل شأنه كفر صراح عند أهل السنة" (٢).

وقال: "وما له حد وغاية ونهاية - فهو الجسم الذاهب في الجهات، وإكفار من يقول بذلك في إله العالمين واجب ... ".

وقال: " ... وأما المسلمون - فهم يعتقدون أن الله سبحانه منزه عن المكان ... ".

"وإثبات الحد له تعالى من أهون ما في الكتاب - (نقض الدارمي) من صنوف الضلال".

وقال: "مع أن القول بإثبات الجهة كفر عند الأئمة الأربعة هداة الأمة ... ".

وقال: فيمن أثبت لله جهة الفوق: "فهم منكرون لذات الإله المنزه عن ذلك فلزمهم الكفر لا محالة".

وقال: "والصحيح القول بتكفيرهم، إذ لا فرق بينهم وبين عباد الأصنام والصور".

وذكر أن من قال: بفوقية الله تعالى وأنه على العرش - فهو من أتباع فرعون ومحتج بقول ملحد جاهلي.

وقال: "إن الأشعري وأكثر المتكلمين قالوا بتكفير كل مبتدع كانت بدعته كفراً أو أدت إلى كفر، كمن زعم أن لمعبوده صورةً، أو أن له حداً ونهايةً ... ، وكل ذلك موجود في كتاب الدارمي ... ".


(١) ((مكتوبات أحمد السرهندي)) (٢/ ١١٠)، الترجمة العربية من الفارسية/ للشيخ مراد المنزولي المكي – الست سماها "الدرر المكونات ... ".
(٢) انظر ((مقالات الكوثري)) (ص ٢٨٣، ٢٨٤، ٢٨٧، ٢٩٠، ٢٩١، ٢٩٤، ٢٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>