للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السادس: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة "نزول" الله إلى السماء الدنيا]

لقد سبق أن ذكرنا أن الباعث للماتريدية ولغيرهم من المعطلة أنهم فهموا من نصوص "النزول" و"الإثبات" و"المجيء" ما يفهم من صفات المخلوق.

فقالوا: لو تركنا هذه النصوص على ظاهرها لزم الله انتقال الأعراض والأجسام وهذا يستلزم التغير والزوال له تعالى فيكون الله من الآفلين. فيجب صرف ذلك إلى ما يستحق بالربوبية (١).

وبناء على هذا الأساس الباطل المنهار عطلوا صفات الله تعالى "النزول" و"الإتيان" و"المجيء".

وحرفوا نصوصها. فقالوا: المراد نزول اللطف، والرحمة على سبيل التمثيل (٢).أو نزول بره وعطائه (٣).أو نزول الملك (٤).أو المراد الاطلاع، والإقبال على العباد بالرحمة (٥).

وهكذا عطلوا صفة "الإتيان" لله تعالى، وحرفوا نصوصها. فقالوا: المراد إتيان عذابه، أو إتيان ملائكته، أو مجاز عن التجلي، أو معناه: أن يأتي الله بأمره، وبأسه، فحذف المفعول به، وغيرها (٦).

وكذا عطلوا صفة "المجيء" وحرفوا نصوصها إلى أنواع من المجازات بشتى التأويلات. فقالوا: المراد المجيء حكمه، وعطائه، وأمره، وقضائه، أو ظهور آثار قهره، وسلطانه، وغيرها (٧).

وقد رأيت للإمام أبي منصور الماتريدي تحريفاً عجيباً وتخريفاً غريباً لم أجده عند غيره من المعطلة - فيما أعلم - يندهش المسلم منه وترعد فرائصه وهو: أن "الواو" في قوله تعالى وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:٢٢].بمعنى "الباء" وتكون الباء لتعدية "جاء" ويكون "الملك" مفعولاً به، فيكون المعنى: وجاء ربك بالملك صفاً صفاً (٨) تعالى الله عما يصفون.

كبرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً.

تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً.

هذه كانت نماذج من تأويلاتهم التي يدعون أنها موافقة للغة العربية!.

وبعد هذا العرض نناقش الماتريدية في تعطيلهم لصفة "النزول" وتحريفهم لنصوصها، ونكتفي بذلك لئلا يطول بنا الكلام.

ويكون كلامنا مع الماتريدية في مقامين:

المقام الأول:

في بيان فساد مذهب الماتريدية في صفة "النزول".

وفيه أمور:-


(١) وانظر: ((تأويلات أهل السنة للماتريدي)) (١/ ٤٣٦)، تحقيق د. محمد مستفيض الرحمن.
(٢) ((شرح المواقف)) للجرجاني مع حاشية حسن الجلبي عليه (٨/ ٢٥).
(٣) ((إشارات المرام)) (ص ١٨٩) للبياضي.
(٤) ((مقالات الكوثري)) (ص ٣٤٩).
(٥) ((بحر الكلام)) لأبي المعين النسفي (ص ٢٣).
(٦) انظر: ((تأويلات أهل السنة للماتريدي)) (١/ ٨٣ - ٨٥)، تحقيق الدكتور إبراهيم عوضين، والسيد عوضين، و (١/ ٤٣٥ - ٤٣٦)، تحقيق محمد المستفيض، و ((بحر العلوم)) لأبي الليث السمرقندي (١/ ٦١٢)، و ((مدارك التنزيل)) (١/ ١٣٣، ٥١٩)، و ((شرح المواقف)) (٨/ ٢٤)، و ((عمدة القاري)) (٢٥/ ١٢٥)، ((إرشاد العقل السليم)) (١/ ٢١٢، ٣/ ٢٠٣)، و ((تلخيص الأدلة)) للصفار (ص٢٤٢/أ).
(٧) ((بحر العلوم)) لأبي الليث السمرقندي (١/ ٦١٢)، ((المدارك)) (٣/ ٣٩٠)، ((شرح المواقف)) (٨/ ٢٤)، ((إشارات المرام)) (ص ١٨٩)، ((إرشاد العقل السليم)) (٩/ ١٥٧).
(٨) ((تأويلات أهل السنة)) (١/ ٨٤)، تحقيق الدكتور إبراهيم عوضين، والسيد عوضين، و (١/ ٨٣)، تحقيق محمد المستفيض، وسكت على هذا التحريف هؤلاء جميعاً، وهذا يدل على ًأنهم خلطاؤه في هذا التحريف، فما أجدر هذا الكتاب أن يسمى تحريفات أهل البدع سبحان الله عما يصفون، إنا لله وإنا إليه راجعون!!!.

<<  <  ج: ص:  >  >>