للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجزائرية) لم تكتف بعدم التبصُّر بالوضعيَّة التي تَلَتْ وَقْفَ إطلاق النار فحسب، ولكنها استحثَّتْ قيام هذه الوضعيَّة بسلوك أعضائها.

أجَل! إنها لم تتَبَصَّر عواقبَ هذه الوضعيَّة، وهو واقع لا نزاع فيه؛ ولكننا عندما نعيد مراجعة الاطراد المتساوق الذي اقْتادَنا إلى ذلك، نكون محولين على القول بأنها لم تكتف بالتعجيل من خَطْوِها فحسب، ولكن بلغ بها الأمرُ حَدَّ خلق هذه الوضعيَّة أثناءَ مرحلة سيادتها.

فحتى اليوم الذي فَزِعَ فيه هؤلاء (المحرِّرون) إلى (بومرداس) للاستيلاء على النُّفوذ، لم تكن لِتَدورَ برؤوسهم سوى فكرة واحدة وهي: احتلال الجزائر من جديد بقدر إجلاء الاستعمار لقوَّاته الخاصة، وذلك حتى لا تتاح للشعب الجزائريّ أيَّةُ إمكانية لمحاسبتهم على تسييرهم للبلاد.

ففي (القاهرة) وفي (تونس) لم تكن مشكلةُ الثورة لتُثار بالنسبة إليهم في حدود (التَّحرير) ولكن في حدود احتلال جديد.

وكان الشعب هو الذي اضطلع بأعباء التحرير مع قوات (جيش التحرير الوطني) المنخرطة في النضال حَقّاً وواقِعاً.

لأن جيش التحرير الوطني نفسَه، قد انْتابَهُ هذا العملُ المفَكَّكُ من طرف الحكومة المؤقَّتة للجمهورية الجزائريَّة، التي كان كلُّ عضو فيها يريد أن يضمن لنفسه ثُلَّةَ من هذا الجيش لاستخدامها في اجتياح إقطاعيَّة خاصة. فالتَّفَكُّك الذي برز لوضح النُّور منذ الوهلة الأولى التي تَلَتْ وَقْفَ إطلاق النار، قد وجد أصلَه البعيد في هذا العمل التَّقسيميِّ الذي قام به أعضاءُ الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية قبل إبرام (اتِّفاقيَّات إيفيان) بوقت طويل جدّاً. وهؤلاء هم المسؤولون في نهاية الحساب عن ذلك الانفجار الذي حاقَ بالوحدة المعنويَّة للبلاد في شهر جويلية (تموز) سنة ١٩٦٢، أو عن تخريب هذه الوحدة على

<<  <   >  >>