للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولهذه الأسباب مجتمعة، بالإضافة إلى أسباب أخرى كثيرة، وجب علينا أن نختار الطريق الاشتراكيَّة لتنمية أنفسنا.

ولكن: في أي اشتراكية تتمثَّل القضيَّة؟ ..

لقد تكرَّر ورود هذا السؤال كترديدة مرجَّعة للحياة السياسيَّة الجزائريَّة منذ الاستقلال؛ ونحن نشعر أنه يحمل نقطة استفهام خطيرة داخل ضمير الشعب؛ ولذا يجب علينا أن نقدِّم بعض التوضيحات: فقد ولدت الحركة الاشتراكية في الغرب مُتَّسِمَة بطابع تقاليد عقلية تبلغ من العمر ألفين من السنوات؛ ومنذ عهد لوكريس ( Lucrèce) لم يكُفَّ التيار العقليُّ هناك عن نَقْلِ فكرة (مادِّية النزعة) التي يبدو أنها لا تقبل الانفصال عن العبقريَّة الغربيَّة.

وعندما التقت هذه الفكرة بالظاهرة الاجتماعية في القرن العشرين، فإنها لم تَتَوانَ في طبعها بخاصيتها المميَّزة؛ بحيث آلت الاشتراكية والمادِّية إلى الالتحام داخل نفس القالب من التصور. ومنذ ذلك الحين كان كل تصور شائع للاشتراكية في أوروبا يمثِّل حَتْمِيّاً تصوُّراً ماديَّ النزعة. فالمعارك التي كانت تتَّخذ شكلاً (مناهضاً للنزعة الكاثوليكية) في عصر الإصلاح مثلاً، اتَّخذت في القرن التاسع عشر شكلاً مناهضاً للدِّين بصورة عامة في العالم الاجتماعي. ولكن العوامل التاريخيَّة التي لعبت دوراً حاسماً هنا وهناك كانت هي ذاتها؛ فكارل ماركس كان سيتكلم لغة مارتن لوثر ( Martin Luther) لو أنه عاش في عصره؛ وخلال بعض انتقاداته الموجَّهة للكنيسة تهبُّ نَفْحَةٌ نشعر أنها تكاد تكون (لَوْثَرِيَّة) ...

ولكن في الجزائر، حيث لا تتدخَّل نفس العوامل النفسيَّة- التاريخيَّة، لا يوجد أيُّ سبب أو حجَّة للْخَلطِ بين الاشتراكية والماديَّة.

<<  <   >  >>