للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكننا لا نعرف ما الذي يجب أن نقوله أمام مشكلة جديدة تستدعي توفُّر الأفكار. وحتى فيما بين (العقول المتميّزة) فإن التجربة تظل عَصيَّة التَّبليغ في صورة رموز فكريَّة، وفي لغة مكتوبة. فنحن لكي نقتنع لا بدَّ وأن تُقَدَّم لنا التجربة برمَّتِها على نحو من الأنحاء، كأن تكون فوق طَبَقٍ من الأطباق؛ أما ترجمة هذه التجربة ضمن رموز فكريَّة فتجعلها بعيدة عن مداركنا، قاصرة عن إقناعنا. وكما هي الحال بالنسبة إلى (القِدِّيس توماس) (١) الذي كان يريد- لكي يؤمن بمعجزة القيامة- أن يَلْمَسَها بيديه، فإن طريقتنا في الفهم، تعدُّ أحياناً طريقة لَمْسِيَّة، بدل أن تكون عقليَّة. ولهذا فإن الاستعمار يمتلك على الصعيد السياسيِّ أهْوَنَ لُعْبَة وأيْسَرَها لبلوغ أغراضه؛ إذ ليس له إلا أن يجعل لعبته غير قابلة لِلَّمْسِ، حتى نكون منذئذ عاجزين عن فهم أيّ شيءٍ منها. وإن الاستعمار ليدرك ذلك جيداً.


= باستثناء رقعة الأرض، لا البذور، ولا الماشية، ولا المعدّات اللازمة لحراثتها وبذرها أو حصادها؛ حيث يتضافر أهل القرية على تقديمها له جميعاً بالإضافة إلى جهدهم. كما نجد لها صورة أخرى في تضافر أهل القرية على بناء سكن لمواطن معْوز أعزب يعتزم الزواج؛ واشتراكهم في تأثيثه باللوازم الضرورية بعد تشييد بنيانه على نفس المنوال السالف، تطوّعاً ودون مقابل. ومن هنا يدرك القارئ مدى القيمة والدلالة الأخلاقية الجسيمة لهذا التقليد الاجتماعي الإيجابي. وتمثل عملية الانتخاب البرلماني- أو هي يجب أن تمثل- من حيث دلالتها النظرية وتطبيقها العملي في الأصل: شكلاً من (التويزة) بالمفهوم الذي أوضحناه، وهو المفهوم المتطابق مع الآية القرآنية المنادية بالتعاون على البر والتقوى؛ ولكن العملية الانتخابية كثيراً ما تنقلب في الحياة السياسية إلى نقيض هذا المفهوم، حيث تصبح عندما تدخلها الأغراض الشخصية، والمنافع العاجلة، مطابقة للنشاط الإبليسي، المتضافر على الشر المحض، والمتعاون على الإثم والعدوان ... (المترجم).
(١) القدّيس توماس ( Saint Thomas) : هو غير القديس توما الإكوينيّ؛ الراهب الدومينيكاني الفيلسوف، فالمعنيّ في النصّ هو أحد رسل المسيح الاثني عشر؛ الذي يقول المسيحيون- طبقاً ملعتقدهم في الصلب- إنه لم يؤمن بقيامته إلا بعد أن رأى آثار جراحاته، ووضع فيها إصْبَعَه ... (المترجم).

<<  <   >  >>