للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الإنسانيات وتقدير جديد لقيمة الإنسان، تقديره لنفسه وتقديره للآخرين. فالشعور الديمقراطي هو نتيجة لهذه الحركة عبر القرون، ولهذا التقدير المزدوج لقيمة الإنسان (١).

إن المؤرخ الفرنسي جيزو يتيح لنا في كتابه أوروبا من نهاية الإمبراطورية الرومانية إلى الثورة الفرنسية تتبع هذه الحركة أي التطور الذي أدى إلى ظهور الديمقراطية في أوروبا. ونمو الشعور الديمقراطي في البلاد الأوروبية.

فالمؤرخ الكبير يبين كم كانت أصول الديمقراطية الغربية بعيدة وبسيطة، وكيف تكون الشعور الديمقراطي ببطء، قبل أن يتفجر بالتالي في التصريح بحقوق الإنسان والمواطن؛ ذلك التصريح الذي يعبر عن التقويم الجديد للإنسان وعن التتويج الأسطوري والسياسي للثورة الفرنسية.

فالشعور الديمقراطي الغربي، قد بدأ يعبر عن نفسه، وهو لم يتخلص بعد من الغموض الملازم لكل ما هو في حالة تخلق ونشوء، خلال الحركتين التاريخيتين الكبيرتين، حركة الإصلاح وحركة النهضة. بل إن هاتين الحركتين هما أول تصريح بقيمة الإنسان الأوروبي في مجال الروح وفي مجال العقل.

فمن الواضح، أن هذا الدرس عن تاريخ أوروبا، الذي نقرؤه في كتاب جيزو، نجد الواقع الاجتماعي مطبوعاً ومغلفاً بخصائص المجتمع الغربي، مثل حركة الإصلاح والنهضة.

ولكن الحقيقة العامة بالنسبة إلى الشعور الديمقراطي، مهما يغشاها من قلة


(١) يقول مونتسكيو في مقدمة كتاب (روح القوانين) ((في زمن يوسد فيه الجهل لا يوجد عندنا مجال للشك ولا حتى عندما نفعل أكبر الخطايا، وفي زمن النور نرتجف حتى عندما نقوم بأفضل الأعمال)) [ط. ف].

<<  <   >  >>