للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

{قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى}. فغضب الطاغية: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه: ٢٠/ ٧٠ - ٧١].

ليس من الضروري أن نتابع المشهد إلى آخره، فقد أعطانا صورة كافية للاستبداد في شخص فرعون بقدر ما يزداد غضبه على الرسول وعلى السحرة، فالموقف لا يعبر هنا عن (نافية) إزاء الـ (أنا)، بل عن نافية إزاء الآخرين أي أنه ينفي جانباً من الشعور الديمقراطي.

ولكن قد نجد أحياناً موقفاً يعبر عن النافيتين معاً.

إن تاريخ روسيا القيصرية ترك لنا قصة ذات دلالة في الموضوع إذ نرى أحد القياصرة، وهو فيما أعتقد القيصر إسكندر الأكبر، وقد كان في ضيافته أمير من الغرب، فأراد القيصر أن يبرهن لضيفه عن مقدار سلطانه على رعيته، فأشار بأصبعه إلى جندي كان يقوم بدور حراسة بأحد ممرات الدوريات المشرفة على هاوية سحقية، فبمجرد الإشارة ألقى الجندي بنفسه من ذلك العلو، كأنه آلة تحركت بالضغط على زر ...

فهذا المشهد يتضن بكل وضوح موقف العبد وموقف الرجل المستبد، أي نافيتي الشعور الديمقراطي.

ويمكن جمع الكثير من هذه النماذج، مثل رئيس الحشاشين؛ حسن السفاح، أو شيخ الجبل كما كان يلقب، فإنه كان أيضاً يتصرف في حياة أتباعه فيقوم أحدهم لمجرد الإشارة ليلقي بنفسه في هاوية معنوية، يلقي فيها ضميره.

وعلى كل فإن ما ذكرنا يكفي لتكوين إطار العموميات التي تحيط بالموضوع، وتكون مرجعاً يرجع إليه في هذا السياق.

<<  <   >  >>