للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما يجدونه مهيئاً تحت أيديهم من طرق حساب سرعتها فوق كل سرعة، يمكن تصورها في عمليات الآلات الحاسبة الإلكترونية.

فهل يمكن لهذه الآلات أن تقوم بعملياتها، لو لم يهيأ من قبل ذلك النظام العشري الذي نستطيع به كتابة رقم أفوجدرو، على سبيل المثال، بخمسة رموز فقط، أوسبعة إذا تحرينا دقة أكثر؟

والآن نتساءل: ألسنا ندين بوضع هذا النظام العبقري لذلك المناخ العقلي الذي كونته القيمة القرآنية في المجتمع الإسلامي؟

كما أننا لو تساءلنا عن دور الجبر، في تطوير علم الحساب، بحيث يتحول من علم الأرقام المحسوسة إلى علم الرموز المجردة، لأدركنا بعد الأخذ في حسابنا أن اسم الجبر نفسه عربي من ناحية الصيغة والاشتقاق، لأدركنا ما يدين به العقل الإنساني إلى العقل الإسلامي من وسيلة لا يستطيع بدونها السير والتقدم في ميدان علوم التقدير والضبط.

ولا يضيرنا أن يعزى الجبر، من طرف متطفلين من تلامذة المستشرقين مثل فريد وجدي الذي عزاه إلى اليوناني ديوفانت بلا دليل ولا أي حجة، ذلك أن الجبر أتى إلى الوجود في المناخ الذي خلقه القرآن.

ولقد يكون من العبث الصبياني أن نربط الصلة هنا، بين الآيات المنزلة وبين النظام العشري أو الجبر، عن طريقة ما يسمى تاريخ تطور العلوم.

إن القرآن الكريم لم يأت قطعاً، وبصورة مباشرة، لا بالحساب العشري ولا بالجبر، ولكنه أتى بالمناخ العقلي الجديد الذي يتيح للعلم أن يتطور، كما تطور بالنسبة إلى مرحلته السابقة في العهد الإغريقي والروماني، والأمر الجدير بالملاحظة هو أن تطور العلم لا يناط بالمعطيات العلمية فحسب، بل بكل

<<  <   >  >>