للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأب واحد، وأن الدين واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي»، فقام معاذ فقال: فما تأمرني بهذا المنافق يا رسول الله؟ قال: «دعه إلى النار» فكان قيس ممن ارتد في الردة فقتل.

تكاد لا تخلص أمة من الأمم لعرق واحد، وتكاد لا تكون أمة من الأمم لا تتكلم بلسان واحد، فليس الذي يكون الأمة ويربط أجزاءها ويوحد شعورها ويوجهها إلى غايتها هو هبوطها من سلالة واحدة، وإنما الذي يفعل ذلك هو تكلمها بلسان واحد: ولو وضعت أخوين شقيقين يتكلم كل واحد منهما بلسان وشاهدت ما بينهما من اختلاف نظر وتباين قصد وتباعد تفكير، ثم وضعت شاميا وجزائريا- مثلا- ينطقان باللسان العربي ورأيت ما بينهما من اتحاد وتقارب في ذلك كله، لو فعلت هذا لأدركت بالمشاهدة الفرق العظيم بين الدم واللغة في توحيد الأمم.

فانظر بعد هذا إلى ما قرره هذا النبي الكريم، رسول الإنسانية، ورجل القومية العربية، في الحديث المتقدم، فقضى بكلمته تلك على العصبية العنصرية الضيقة المفرقة، فنبه على تساوي البشر في أنهم كلهم مخلوقون لله، فربهم واحد، وأنهم كلهم كل من عنصر واحد فأبوهم آدم واحد، وذكر بأخوة دين الإسلام دين الأخوة البشرية والتسامح الإنساني، ثم قرر قاعدة عظمى من قواعد العمران والاجتماع في تكوين الأمم، ووضع للأمة العربية قانونا دينيا اجتماعيا طبيعيا لتتسع دائرتها لجميع الأمم التي رشحت لدعوتها إلى الإسلام بلغة الإسلام. وقد كان ذلك من أعظم ما سهل نشر الهداية الإسلامية وتقارب عناصر البشرية وامتزاجها بعضها ببعض حتى كان ثمرة اتحادها

<<  <   >  >>