للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قسنطينة المضاييف الكرام يتنافسون في تكريم ضيوفهم- كما هي عادتهم- فذهبوا بتلك الوفود الكريمة النازلة على الرحب والسعة إلى بيوتهم لتناول وجبة العشاء. وما كاد مؤذن العشاء يعتلي المنار حتى تكاملت تلك الوفود المكرمة في الجامع الأخضر المعمور حيث يؤدون صلاة العشاء ويسمعون بعدها درس الختم من الأستاذ الحكيم. وبعد الفراغ من الصلاة وضع كرسي الدراسة في وسط الجامع وحلق حوله الوفود والمستمعون وانتظمت الصفوف الأمامية من العلماء والأدباء. ولما اتسقت قلائد الحلقات واكتمل نظام الصفوف وعلت السكينة وساد السكوت كأن على الرؤوس الطير، طلع الأستاذ من مقصورته كالبدر ليلة تمامه في موكب من الجمال الإلهي والجلال النبوي، فاشرأبت الرؤوس لطلعته المباركة وتطلعت النفوس وخفقت الأفئدة في الصدور خفقة السرور فاعتلى كرسي الدراسة وأنشأ ينتشر على مستمعيه الكرام تلك الدرر الغالية والحكم البالغة بفصاحة نادرة وبلاغة ساحرة ونبرات موسيقية تمتزج بالأرواح امتزاج الماء بالراح، فهز النفوس بعظاته (الحسنية) وخلب العقول بتحقيقاته العلمية وأبحاثه النفيسة.

إستغرق في الدرس نحو ساعة ونصف مرت كلمح البصر من شدة فناء الأرواح في لذة الدرس وأغرق النفوس في الإصغاء - واللذائذ الروحية أوسع من الزمن- وختم الأستاذ درسه بدعوات مأثورة وتلى على الحاضرين آخر ما كتب بنسخة الموطأ اليدوية الأثرية فبين أنها مكتوبة بخط صاحبها في القرن السابع الهجري فيما أظن-.

ولما انتهى الدرس وصداه يتردد في النفوس ومعانيه السامية تملأ فضاء القلوب، أمر الناس بالجلوس في أماكنهم فقدمت إليهم صحون الزلابيا التي تبرع بها الكريم الخير المفضال السيد

<<  <   >  >>