للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المعنى]

كان الرجل في الجاهلية- إذا نزل له أمر- استنصر بقبيلته وتعضد بهم ودعاهم إلى معونته ونصرته، بما بينه وبينهم من عصبية قبلية فتثور حميتهم فيندفعون إلى مؤازرته فيؤيدونه ظالما أو مظلوما، فإذا كان ظالما زادوا في ظلمه، وإذا كان مظلوما لم ينتهوا عند حد في الانتقام له من ظالمه، فلما جاء الإسلام أبطل الانتصار بالعصبية والتعضد على الانتقام بالقبيلة. وجعل الحكم بالقضاء الشرعي والتوصل إليه بالبينات والحكام. فلو أن ذلك المكسوع كان ممن تأدب بالإسلام وتغلغلت روح الإسلام في قلبه لكان دعا بدعوى الإسلام فقال يامسلمون قد ضربني هذا، وأقام عليه البينة وساقه إلى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ليقتص له منه، ولما لم يكن كذلك وكانت الروح الجاهلية لا تزال منها عقابيل (١) في صدره دعا بدعوى الجاهلية، وكان صاحبه مثله فقابله بمثلها، فلما سمع النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ذلك منهما سأل عن السبب الذي أثار تلك الدعوى فلما عرفوه بسببها نهى عنها وحذر منها، فأبرزها في أقوى صورة تنفر منها إبرازا للمعقول في صورة المحسوس لأنه أبلغ في التأثير على السامع فوصفها بأنها منتنة.

[الدعويان وأثرهما]

دعوى الجاهلية- يا بني عمي، أو يا قومي، أو يا أهل بلدي، أو يا أهل وطني- انتقموا لي، فإذا دعا بها وقعت التفرقة بين عشيرة وعشيرة أو بين قوم وقوم أو بين بلد وبلد، أو بين وطن ووطن، وأثارت الحمية في كل واحدة من الناحيتين على الأخرى ودفعت إلى الإسر اف والتعدي فأوسعت الظلم والشر،


(١) العقابيل: الشدائد وبقايا العلة أو العداوة مفردة (عقبول).

<<  <   >  >>