للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكلمة تصرَّف بتثنية، وجمع، واشتقاق، وتعلّق بمعلوم، ثم تجدها مستعملة في موضع لا تثبت ذلك فيه، فيُعْلم بذلك أنها مجاز، ومنها أن تطَّرد الكلمة في موضع ولا تطَّرد في موضع آخر من غير مانع، فيستدل بذلك على كونه مجازاً، وتقوية الكلام بالتأكيد من علامات الحقيقة دون المجاز (١) كقوله تعالى: {وَكَلّمَ اللهُ موسى تَكلِيماً} (٢).

وذكر القاضي أبو بكر فروقاً بين الحقيقة والمجاز، منها: أنَّ الحقيقة يقاس عليها والمجازُ لا يقاس عليه، والحقيقة يشتق منها النعوت، والمجاز لا يشتق منه وهما يفترقان في الجمع فإنَّ جمع الأمر الذي هو ضدٌّ للنهي، أوامر، وجمع الأمر الذي هو بمعنى القَصْد الأمور، واللغة مشتملة عليهما، وقال أبو اسحاق الاسفرائيني: لا مجاز في اللغة، وهو قول محجوج فقد تواتر النقل عن العرب إنهم يقولون: استوى فلان على مَتْن الطريق، ولا مَتَنَ لها، وفلان على جَناح السفر ولا جناحَ له، وشابَتْ لَّمةُ الليل، ولا لمة له، وهذه كلها مجازات، ومنكرها في اللغة جاحد للضرورة ومبطل مَحَاسِن لغة العرب (٣).

وقال الرازي وأتباعه: اللفظ يجوز خلّوه عن الوصفين، فيكون لا حقيقةً ولا مجاز لغوياً، فمن ذلك اللفظ في أول الوَضع قبل استعماله فيما وُضع له أو في غيره، ليس بحقيقة ولا مجاز، لأنَّ شرط تحقق كلِّ واحد منهما الاستعمال؛ فحيث انْتفَى الاستعمال انتفيا ... انتهى، وقد يجتمعُ الوصفان في لفظٍ واحد، أمّا بالنسبة إلى مَعْنيين وهو ظاهر، وأما بالنسبة الى معنى واحد، ومن هذا يعرف أنّ الحقيقة قد تصير مجازاً وبالعكس، فالحقيقة متى قلَّ استعمالها صارت مجازاً عُرْفاً، والمجاز متى ما كثرَ استعماله صار حقيقة [عُرْفاً] (٤) وأما بالنسبة الى معنى واحد من وَضْع واحد فمحال لاسْتِحالة الجمع بين النفي والاثبات (٥).

[الخامسة والعشرون: معرفة المشترك]

وهو اللفظ الواحد الدالُّ على معنيين مختلفين فأكثر، دلالةً على السواء عند أهل تلك اللغة [واختلف الناس فيه] (٦) والأكثرون على أنه مُمْكنُ الوقوع؛ لنَقْل اللغة ذلك في كثير من الألفاظ ومن الناس من أوجب وقوعه (٧).


(١) ينظر: الابهاج في شرح المنهاج: ١/ ٣١٤،٣١٥، المزهر: ١/ ٣٦٠ - ٣٦٢.
(٢) النساء / ١٦٤.
(٣) البحر المحيط: ٢/ ١٨٠، المزهر: ١/ ٣٦٤.
(٤) زيادة يقتضيها السياق من المزهر: ١/ ٣٦٨.
(٥) ينظر: البحر المحيط: ٢/ ٢٣١، المزهر: ١/ ٣٦٧،٣٦٨.
(٦) زيادة يقتضيها السياق من المزهر: ١/ ٣٦٩.
(٧) الصاحبي في فقه اللغة: ٢٦٩، الابهاج في شرح المنهاج:١/ ٢٤٨، ينظر: المزهر: ١/ ٣٦٩.

<<  <   >  >>