للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان المأمون يقول: لله دَرُّ القلم كيف يحوك وشيَ المملكة! ووصفه ابن المعتز فقال: يخدم الإرادة، ولا يمل الاستزادة، فيسكت واقفاً، وينطق سائراً على أرضٍ بياضها مظلم وسوادها مضيء.

وقال أرسطاطاليس: عقول الرجال تحت أسنان أقلامها، وقال أهل العلم: إنَّ أول من خط بالقلم ادريس (عليه السلام) فمتى وضع الخط العربي وسُطِّر المسند الحميدي، وقد ذكر إن لغة يونان عارية من حروف الحلق، ومخالفة لسائر لغات الخلق (١).

[الثالثة والأربعون: معرفة التصحيف والتحريف]

أفرده بالتصنيف جماعة من الأئمة منهم العسكري والدارقطني، فالأول: فيما صحف فيه أهل الأدب من الشعر والألفاظ، وغير ذلك، وأصل التصحيف أن يأخذ الرجل اللفظ من قراءته في صحيفة، ولم يكن سمعه من الرجال فيغيره عن الصواب، وقد وقع فيه جماعة من الأجلاء من أئمة اللغة وأئمة الحديث حتى قال الإمام أحمد بن حنبل: ومن يعرى من الخطأ والتصحيف؟ مثاله: صحف الخليل يوم بغاث (بالغين المعجمة) وانما هو بالمهملة وجَرْش طير الجنة بالشين وإنما هو جَرْس (بالسين) (٢).

ومن أسماء الشمس (يوح) وصحفه ابن الأنباري (بوح) وإنما البوح النفس، وصحف ابن دريد القَيْس وإنما هو فَيْش (٣).

وصحف حماد ثلاثة ألفاظ في القرآن لو قرئ بها لكان صواباً، وذلك أنه حفظ القرآن من مصحف ولم (٧٠/) يقرأه على أحد، الأول (٤): {وعدها أباه} (٥) والثاني: {في غِرةٍ وشقاق} (٦) والثالث: {يَومَئذ شأن يعنيه} (٧) وأما ما تعقّب به المبرد كتاب سيبويه في المواضع التي سماها مسائل الغلط، فقلما يلزم صاحبَ الكتاب منه إلا الشيء النزر، وهو أيضاً مع قلته من كلام غير أبي العباس، وأما كتاب العين ففيه من التخليط والخلل والفساد ما لا يجوز أن يحمل على أصغر أتباع الخليل فضلاً عنه نفسه وكذلك كتاب الجمهرة (٨).


(١) التنبيه على حدوث التصحيف حمزة الأصفهاني: ١٠٧،٩٥، المزهر: ٢/ ٣٥٢.
(٢) ينظر: جمهرة اللغة: ١/ ٢٦٠، ينظر: الصحاح: ٢/ ٩١٢، ينظر: تصحيفات المحدثين لأبي هلال العسكري: ٧، المزهر: ٢/ ٣٥٣.
(٣) المزهر: ٢/ ٣٦٥،٣٦٨.
(٤) التنبيه على حدوث التصحيف:٣٨،٣٩، تصحيفات المحدثين: ٣٣، المزهر: ٢/ ٣٦٨.
(٥) التوبة / ١١٤، والصواب {وَعَدَها أيَّاهُ}.
(٦) ص / ٢، والصواب {في عزَّة وشِقاق}.
(٧) عبس / ٣٧، والصواب {يَومَئذٍ شَأنٌ يُغْنِيهِ}.
(٨) المزهر: ٢/ ٣٧٢.

<<  <   >  >>