للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بانتفائك مما قال لبيد شيئاً ولا قادراً على ردّ ما زلّت به الألسن، فالحق بأهلك ..

ويُروى -في خبر آخر- أن لبيداً كان من جوداء العرب، وكان قد آلى في الجاهلية ألا تهبّ صبا إلا أطعم، وكان له جفنتان يغدو بهما ويروح في كل قوم على مسج قومه فيطعمهم، فهبّت الصبا يوماً والوليد بن عقية على الموفة فصعد الوليد المنبر فخطب بالناس ثم قال: إن أخاكم لبيد بن ربيعة قد نذر في الجاهلية ألا تهب صباً إلا أطعم وهذ يوم من أيامه، وقد هبّت صبا فأعينوه، فأنا أول من فعل.

ثم نزل عن المنبر فأرسل إليه بمائة بَكْرَةٍ، وكتب إليه بأبيات قالها:

أرى الجزَّارَ يشحذ شفرتيه ... إذا هبَّت رياح أبي عقيل

أشم الأنف أصيد عامري ... طويل الباع كالسيف الصقيل

وَفَى ابن الجعفري بحلفتيه ... على العلات والمال القليل

بنحر الكُوم إذ سحبت عليه ... ذيول صبًا تجاوب بالأصيل

فلما بلغت أبياته لبيدًا قال لابنته: أجيبيه، فلعمري لقد عشت برهة وما أعيا بجواب شاعر. فقالت ابنته:

إذَا هبت رياح أبي عقيل ... دعونا عند هبَّتِها الوليدا

أشم الأنف، أروع عبشميًّا ... أعان على مروءته لبيدا

بأمثال الهضاب كأن ركبا ... عليها من بني حام قُعُودا

أبا وهب جزاك الله خيرًا ... نحرناها فأطعمنا الثريدا

فَعُد إنَّ الكريم له معاد ... وظني لا أبا لك أن تعودا

فقال: قد أحسنت لولا أنك استطعمته، فقالت: إن الملوك لا يُسْتَحْيَا من مسألتهم، فقال: وأنت يا بنيّةً في هذه أشعر.

<<  <   >  >>